ماذا تريد إسرائيل من العراق؟!

الدكتور نعمة العبادي ||

لهذا السؤال عدد من النسخ بقدر الدول التي تريد إسرائيل إقامة علاقات معها، ومن المفترض ان تتولى كل نسخة طرح السؤال والبحث في حيثياته من زاويتها، ولهذا سيقتصر البحث في النسخة العراقية.
فماذا تريد إسرائيل من العراق وهي تسعى منذ وجودها الى ان تتحول الى وجود مقبول ثم شريك نافع، وربما حتى حليف استراتيجي للعراق بحسب تصورات البعض.
لا يأتي هذا التساؤل في سياق حديث المؤامرة او كجرعة من كورس زيادة الصمود والممانعة، بل نتيجة لرصد دقيق لجهد منظم وموجه، يتحرك بخطوط متوازية، سياسية وامنية وثقافية ودينية وتجارية وحتى ترفيهية، وتعد القوة الناعمة بمظاهرها المختلفة ابرز ادواته، ويعتمد استراتيجية الألفة عبر تكثيف مشاهد الاعتياد، والتقدم بلباس الضد النوعي المكافئ للمرفوض واعني هنا ايران، وتشتغل وسائل اعلام مثل النسخة الجديدة من الحرة عراق وإسرائيل تتحدث بالعربي وآلاف غيرها على خلق نوافذ للتواصل والاتصال والمقبولية عبر نوافذ مختلفة.
فماذا تطمح إسرائيل ان تكسبه من هذا التقارب والعلاقة؟
اقدم جردة بما يتم تداوله من تفسيرات مضافا الى إجابات متصورة في البين وهي الآتي:
– ان إسرائيل تعمل جاهدة على ترسيخ شرعية وجودها في المنطقة، وتحول الموقف عنها من كيان غاصب الى دولة جارة كغيرها، وان هذه الشرعية تأتي من خلال الاعتراف اللفظي او العملي بوجدها وقبولها، لذلك فان التعاطي الإيجابي العراقي معها يكسر عنها آخر اطواق العزلة وينهي مقولات آخر المعترضين ويزيد من رصيد مقبوليتاها.
– ان الهاجس الأكبر الذي يؤرق إسرائيل هو الامن، فهو وجود تشعر بالقلق وعداوة محيطها، وان العراق سبق وان قاد خطابا وتوجها يقوم على إزالة إسرائيل او تدمير او الحاق الأذى بها، لذا فان ضمان اخراج العراق من دائرة العداء والمواجهة لها، يوفر لها استقرارا عميقا، ويبعد عنها شبح خطر لا يستهان به، وان وصولها الى درجة المقبولية والشراكة يعني عمليا انتهاء هذا التهديد.
– إسرائيل بلد صناعي سريع التطور وهو بحاجة ماسة للطاقة بشكل يضمن وصولها له بتدفقات ثابتة وبأسعار معقولة، والعراق من اهم الدول النفطية في المنطقة، فضلا عن موارده الأخرى، لذلك فان ضمانته ضمانة مصدر حيوي وآمن للطاقة، ومع علاقات مقبولة يصبح هذا التدفق متاحا لإسرائيل.
– ان العراق بلد يشهد تزايد سكاني نشط، ومعظم سكانه من الشباب وفيه رأس مال كبير وسوق سخية مفتوحة، تعتمد كليا على الاستيراد، وإسرائيل من جهتها بلد صناعي تبحث عن أسواق نشطة قريبة منها ومتناسبة مع بيئتها، لذلك يعني هذا التقارب دخول إسرائيل كمنافس قوي الى السوق العراقية، ومع فارق الجودة ستكون إسرائيل في صدارة قائمة المصدرين، وهو مطلب استراتيجي لها.
– ان اليهود عموما ينظرون بنظرة خاصة الى العراق من حيث صلته بالمقدس في رؤيتهم، وهو وارضه وتاريخه يحمل لهم الكثير من الأماكن المقدسة والمواضع المهمة، لذا فان هذه العلاقة سوف تتيح لهم الوصول الى كل هذا المقدس والانتفاع به برضا وقبول العراقيين.
– تعد ايران العدو الأكثر شرا في المنظور الإسرائيلي وان وجودا إسرائيليا على شكل علاقات طوعية وتحالفات ومقبولية يضمن لإسرائيل عدم توظيف العراق الجديد بالضد منها بناء على التأثير الإيراني، كما انه يتيح لها التواجد بالقرب من ايران ليوسع الجي بولتك الإسرائيلي بحيث تكون كل أراضي الدول التي تربطها بها علاقة متاحة على نحو حرية التصرف او زيادة التمكين التي تضاعف من قدراتها في التواجد الفعلي لمواجهة اعدائها.
– ان الوجود القريب لإسرائيل يتيح لها القدرة على التصرف في المشهد العراقي وتشكيله بناء على التوجهات الإسرائيلية، خصوصا وان إسرائيل تملك من إمكانات وأدوات وأساليب التأثير في الدول الكثير الكثير.
– تحمل إسرائيل المعبر السياسي عن اليهود رؤية ثقافية كونية للعالم والحياة، والنسق الذي تطمح ان تكون عليها مسيرة الفعاليات الحياتية للناس، وان قربها من العراق يتيح لها التغلغل في مجتمع صعب الممانعة وربما يصنف الأكثر تشددا ثقافيا وفكريا تجاه إسرائيل، لذلك سيتاح لها إعادة صياغة التفكير الجمعي وفقا لرؤيتها من خلال التوظيف الذكي لقوتها الناعمة.
– ان إسرائيل الدينية والثقافية تحمل في ذاكرتها ووعيها المعرفي ادارك عن خطر حقيقي على وجودها يظهر من العراق، وان هذا الظهور مؤكدا. دقيقا، لذا فإن وجودها من قرب العراق يضمن له مواجهة هذا الخطر، وربما تفكر في شق القاعدة التي ستعمد عليها هذا الخطر المحتمل ومحاولة ممارسة التحصين الوقائي ضد ما يحمله العراق من تهديد وجودي واعني هنا فكرة المهدي المنتظر (عج).
– ان التقارب الإسرائيلي هو في حقيقته محاولة منظمة لتدمير الوجود العراقي دولة وشعبا من خلال عمليات الهدم التي سيتم تحفيزها من الداخل وفي كل قطاعات الحياة عبر خطط وبرامج معدة سلفا، وان هذا التدمير امر ضروري لتحقيق نبوءة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل الى الفرات.
أتمنى ان ينال هذا الرصد متابعة ونقاش النخبة وان نصل الى بلورة إجابات واعية يتم تشكيل الرأي العام على أساسها، لان بعض دعوات وتحركات التقارب تكاد تتحول الى فتنة تسحب اكبر مساحة ممكنة من الجمهور الى فلكها.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

 

 

شاهد أيضاً

حديث الإثنين.. سيظل العرب في غيهم يعمهون..!

احمد ناصر الشريف ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *