العراق في ظل الصراعات

محمد حسن الساعدي ||

يشهد العراق فوضى أمنية وسياسية، في ظل حالة تشبه حربا عالمية كبرى, تقودها القوى الإقليمية والدولية, والتي حصدت وتحصد عشرات الأرواح يومياً ولدوافع سياسية، وصراع الاجندات التي لم تخلف سوى أزمات, دفعت البلاد لتعيش في طاحونة الاحتقان والاقتتال اليومي، والذي يأتي بالاتساق مع الأهداف الغربية السرية منها او المعلنة, وهي تقسيم العراق وتركه يلاقي مصيره المجهول.
سعت واشنطن ومنذ زمن طويل, لإعداد خارطة جديدة للشرق الأوسط, وجزء أسايسي ومهم ضمن هذه الخريطة هو العراق.. حيث تمت عملية التهيئة والاعداد, من خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة, بذريعة تحقيق الديمقراطية وتخليص الشعب العراقي, من الديكتاتورية التي حكمت لأربع قرون بالحديد والنار، وكان النظام السابق أحد اسباب بل وأدوات, هذا الغزو حيث سهّل ومهّد له, وسعى لتسليمه أرضاً محترقة، لا تمتلك اي مقومات للدولة.
بعد سقوط النظام سعت القوى الغربية وفي مقدمتها أمريكا الى تنفيذ مخطط سايكس بيكو جديد, في الوطن العربي من خلال ثورة وهمية, أطلقوا عليها فيما بعد “الربيع العربي” في محاولة منهم في نقل المعركة الى اراضي المسلمين لتكون بين “الاسلام والمسلمين “ في محاولة لإيجاد صراعات داخلية, تدخل البلاد في نفق مظلم ونهاية مجهولة.. بالفعل تغيّرت المعادلة وتحولت المعركة الى داخل أراضي المسلمين أنفسهم.. وهي الخطوة الاولى نحو تغيير خارطة المنطقة العربية وصلوا لهدفهم “الشرق الأوسط الجديد “.
العراق الذي هو جزء مهم من المنظومة العربية، وحلقة وصل ضمن معادلة التوازن الإقليمي والدولي, كونه يمثل بوابة الشرق الأوسط, ومدخل الوطن العربي الشرقي, لهذا توجب على المخطط الاستراتيجي, وعند وضعه خطة تقسيم العراق, أن يقرأ الوضع العراقي قراءة موضوعية, وبعيدا تماما عن فكرة, تركه منطقة رخوة تؤدي الى انفلات أمني خطير, ينعكس بالسلب على مجمل الوضع الامني العربي, وبالتالي سيهدد مصالح القوى الغربية والأمريكية بالخصوص في المنطقة.
الشيء المهم ان اي محاولة لتقسيم العراق, ستؤثر على الحركة الديمغرافية للمنطقة برمتها, نتيجة خلق فوضى أمنية, وذات ابعاد عرقية وطائفية قد تصل مدياتها ابعد مما يمكن تصوره.. كما يحتمل جدا ان تصل تأثيراته نحو غالبية البلدان العربية, والتي ترتبط مع الولايات المتحدة بمصالح استراتيجية حيوية، الامر الذي سيؤدي الى فوضى شاملة لا يمكن ايقافها، والذي يجعل عموم المنطقة ساحة حرب وهرج مفتوحة, مع الجميع وبين الجميع ووقودها أمريكي الصنع.
كما ان العراق بلد نفطي واحد مصادر الطاقة في العالم ، لهذا ليس من من منفعة للغرب, الا ان يكون أرضاً صلبة مستقرة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً, كما يجب ان يكون دولة قوية موحدة لان اي مخطط لتجزئته, سنتج كارثة على مجمل الوضع في المنطقة، خصوصاً ان الشعب العراقي متنوع الطوائف والإثنيات، مع وجود الترابط في العلاقات الاجتماعية بين مختلف المكونات, لهذا من الصعب تفكيكه او تقسيمه ، كما ان الشعب العراقي يتميز بكونه شعباً يحمل حساً عاطفيا, عندما يشعر انه مهدد فان ردة فعله ستكون مفاجأة للخصوم, وستكون شرسة شديدة، ولايمكن تحديد مدى توقفها .
مهما تحاول القوى الغربية او الدوائر المغلقة في الولايات المتحدة, فرض امر واقع على الشعب العراقي, فانه ليس من الممكن ذلك، لذلك تسعى هذه القوى الى تنفيذ الخطة (ب) وهي تغذية الانقسامات والصراعات السياسية, وربما حتى النعرات الطائفية بين المكونات, واشعالها وجعلها مستعرة دائماً.
يبقى على الشعب العراقي بجميع مشاربه, ان يستثمر الدعوات الرافضة للتقسيم من خلال تهدئة الأوضاع الداخلية، وإزالة المبررات التي من شانها, دعم سعي الآخرين للتقسيم وفق مصالح خاصة ضيقة، وبدلا من السعي خلف البيت الأبيض ،ليكن العراق هو بيتهم جميعاً, من خلال سعي جاد لحل المشاكل العالقة, والنهوض بالواقع المؤلم للعراق وشعبه, لان الخطر ما زال يتحرك واذا لم تكن هناك خطوات جادة فان المركب يسير نحو الهاوية.. بكل من فيه.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

Check Also

التعداد العام للسكّان..!

الشيخ حسن عطوان ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *