المسؤول والهدية..!

الدكتور بلال الخليفة ||

كشفت‭ ‬دراسة‭ ‬استطلاعية‭ ‬حديثة‭ ‬أجريت‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عربي،‭ ‬أن‭ ‬82‭% ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬يخلطون‭ ‬بين‭ ‬الرشوة‭ ‬والهدية،‭ ‬حيث‭ ‬يعتقد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحصلون‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الجماهير‭ ‬لسرعة‭ ‬إنجاز‭ ‬أعمالهم‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬هدية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬إكرامية‮»‬‭.. ‬وأيدهم‭ ‬45‭% ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.
ان هذا‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭ ‬ينتشر‭ ‬بين‭ ‬المسؤولين والموظفين‭, ‬والمواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يتعاملون‭ ‬معهم ،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بعض من تم‭ ‬التحقيق‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬رشوة،‭ ‬قد‭ ‬أكدوا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يدفعونه‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬إكرامية ‭.. ‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الفساد‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬لا‭ ‬تتم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬تقديم‭ ‬أموال‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الشرع‭ ‬والقانون‭!!‬

دعونا الان نخوض في الهدية للمسؤولين من بابين هما الديني والقانوني:
اولا: الهدية والهبة للمسؤول عند الامام علي علية السلام
في رواية ان الامام علي (علية السلام) بلغه أن عامله على البصرة( ) قد دُعي لوليمة، فكتب إليه: ” أَمَّا بعدُ يَا ابْنَ حُنَيفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنَ فِتْيَةِ أَهْلِ البَصْرةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدَبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلوانُ، وَتُنـْـقَـلُ إِلَيكَ الجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَومٍ عَائِلُهُم مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُم مَدْعُوٌّ “( ).

كتب أمير المؤمنين (علية السلام) إلى المنذر بن الجارود العبدي( ) (المنذر بن الجار ود بن عمرو بن حنش ورد على رسول الله(ص)، كان من أصحاب علي، ولاه اصطخر فلم يأته أحد إلا وصله ، وفد على معاوية، ثم ولاه عبيد الله بن زياد ثغر الهند فمات هناك سنة إحدى وستين أو أول سنة اثنتين وستين. ينظر: (ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج60، ص281 ص285).)، وقد خان في بعض ما ولاّه: “أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِي فِيكَ، وَظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ، وَتَسْلُكُ سَبِيلَهُ، فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لاَ تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَادًا، وَلاَ تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَادًا، تُعْمِرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ، وَتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ، وَلَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقًّا لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَشِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَمَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ، أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ، أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ، أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ، أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى خِيَانَةٍ، فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ”( ).

ثانيا: الهدية للمسؤول في القانون
سأدرج ادناه أهم التشريعات والنصوص القانونية التي عالجت مشكلة هدية المسؤول، علما ان هذه القوانين تسري بأحكامها على جميع الموظفين والمسؤولين سواء في الحكومة الاتحادية او الحكومات المحلية او الهيئات المستقلة او اي موظف اخر سواء في السلطة التشريعية او التنفيذية او القضائية وسواء أكان على الملاك الدائم او على ملاك المؤقت والعقود.

1- تعليمات بشأن الهدايا والمنح الاجنبية صادرة بموجب قانون الاوسمة والهدايا الاجنبية رقم 22 لسنة 1961، رقم التشريع: 1 ، سنة 1961 . ومنه اذا كانت قيمة الهدية بسيطة فان المسؤول اوالموظف يبلغ عنها وعندها يمكنه الاحتفاظ بها وبخلاف ذلك تصادر من قبل أدارة الوزارة التي يعمل فيها المسئول او الموظف.

2- تشريع رقم 190 لمجلس قيادة الثورة عام 1994، الاخبار عن اية هدية من جهة اجنبية يتلقاها مسؤول او موظف مكلف بخدمة عامة، حيث جاء في احد بنوده (على كل مسؤول في الدولة او موظف او مكلف بخدمة عامة تلقى هدية من جهة اجنبية او جهة غير عراقية وباي كيفية كانت الاخبار عن هذه الهدية بغض النظر عن قيمتها، وذلك خلال مدة (15) خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمه اياها اذا كان داخل العراق و(30) ثلاثين يوما اذا كان خارج العراق وتسجل الهدية ايرادا للخزينة ويعاقب بالحبس او بغرامة تعادل اربعة اضعاف قيمة الهدية او بكليهما كل من اخفاها او لم يخبر عنها او تصرف بها باي وجه من الوجوه مع مصادرتها عينا وان تعذر ذلك فيستحصل منه مبلغ يعادل قيمتها السائدة)

3- قانون إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة المنحل (190) لسنة 1994 رقم (21)، الاسباب الموجبة هي لوجود نصوص عقابية تعالج موضوع القرار أعلاه ،شرع هذا القانون.”

4- قــانون إنـضبـاط مــوظفــي الــدولــة والقــطـاع العـــام، المادة 5 ، يحظر على الموظف ما يأتي : حادي عشر : الاقتراض او قبول مكافأة او هدية او منفعة من المراجعين او المقاولين او المتعهدين المتعاقدين مع دائرته او من كل من كان لعمله علاقة بالموظف بسبب الوظيفة .

5- قانون الكمارك رقم 23 لسنة 1984 المعدل الذي اوضح اعفاء الهدايا من الكمرك لان عائديتها للدولة.

6- استنادا الى احكام المادة 17 من نظام وزارة الاوقاف والشؤون الدينية رقم 8 لسنة 1977 المعدل، وبين هذا التشريع ان التبرعات النقدية والعينية التي تقدم الى منتسبي المؤسسات الدينية التابعة للوزارة من مساجد وجوامع ومدارس وتكايا ومراقد ومقامات والتي تقدم الى المؤسسات المذكورة نفسها تعود للوزارة.

7- قانون الاوسمة والهدايا الاجنبية رقم (22) لسنة 1961، ومن بنودة هي (مادة 8: 1 – على كل موظف او مستخدم في دائرة رسمية او شبه رسمية وعضو في المجالس الرسمية او المصالح المؤسسة بقوانين خاصة تقدم له منحة او هدية من اي جهة اجنبية بصفته الرسمية ان يخبر وزارة الداخلية بواسطة مرجعه المختص للحصول على الاذن بقبول المنحة او الهدية. 2 – كل عراقي قدمت له منحة او هدية من حكومة اجنبية ان يحصل على الاذن بقبول المنحة من وزير الداخلية).

الختام
ان الهدية عادة ما تكون بين الاصدقاء ومن هم بنفس الدرجة لكنها تدخل في الشك عندما تقدم للمسؤول، حتى ان احد المسؤولين تلقى هدايا اكثر من عشر سيارات من النوع الغالي جدا في زواج احد أبناءه .

قبل ايام جاء رئيس وزراء الاردن لبغداد يوم الخميس الماضي والمصادف يوم 28 – 1 – 2021 ، لم نرى ان المسؤولين العراقيين قد قدموا الهدايا لرئيس وزراء الاردن (بشر الخصاونة) لا بل العكس ان الخصاونة رجع بحصول بلاده على عدة امتيازات لا حصوله هو بنفسة ومن تلك المكاسب التي حصل عليها استمرار الاعفاء من الضرائب للبضائع الداخلة من الاردن، حيث كانت الصادرات الأردنية إلى العراق تتجاوز 1.5 مليار دولار.

لكن المسؤول العراقي عكس اي مسؤول في العالم ، فانه عندما يزور اي بلد فانه يكسب هدايا شخصية وبدون اي مردود للبلد، فلم نرى ان المسؤول العراقي اوضح للشعب ما هي المنجزات التي تحققت خلال زيارته.

لم نرى ان المسؤول العراقي قام بتسليم تلك الهدايا التي اعطيت له للدولة عند عودته لأرض الوطن.

ان الموضوع هو احد صور الفساد الاداري الذي يعاني منه العراق وهو السبب الاول والاكبر للحالة المأساوية التي يعيشها العراق.

 

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

حديث الإثنين.. سيظل العرب في غيهم يعمهون..!

احمد ناصر الشريف ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *