عادل الجبوري ||
قبل شهور قلائل، وفي الوقت الذي كانت مختلف القوى السياسية والنخب المجتمعية العراقية منشغلة ومنهمكة بالانتخابات البرلمانية المبكرة، وغارقة في أجوائها وتفاعلاتها وتجاذباتها، لاحت عدة تحذيرات، بعضها من أوساط سياسية واستخباراتية عراقية، وبعضها الآخر من أوساط خارجية، من استغلال تنظيم “داعش” الارهابي للاوضاع المرتبكة والقلقة، ليستعيد جزءًا مما فقده خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة المنصرمة، بعدما مني بالهزيمة الكبرى بطرده من مدينة الموصل في خريف عام 2017.
ولعل الخروقات والاستهدافات لمواقع قوات الجيش والحشد الشعبي والبيشمركة في قواطع ومواقع مختلفة بمحافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى والانبار وتخوم اربيل، مثلت اشارات واضحة على أن هناك مكامن خلل وضعف لا بد من معالجتها وتلافيها قبل أن تستفحل وتتسع وتكون تبعاتها كارثية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن خروقات واستهدافات مشابهة شهدتها بعض مناطق الساحة السورية بنفس الأساليب والوسائل والأدوات، بحيث بدا كما لو أن هناك مخططًا يستهدف اعادة تمكين عصابات “داعش” الارهابية، وبالتالي تكرار مشاهد وصور مأساوية تعود الى أعوام سابقة.
قد يعزو البعض الهجوم الداعشي الأخير على مواقع للجيش العراقي في منطقة العظيم بين محافظتي ديالى وصلاح الدين، والذي أسفر عن استشهاد أحد عشر عنصرًا بضمنهم ضابط برتبة ملازم، الى قدر من الاهمال والتراخي جراء الظروف المناخية القاسية، إلا أن مثل هذا التبسيط لذلك العمل الارهابي، لا ينسجم مع القراءة الأمنية العميقة والدقيقة، التي يفترض أن تكون مستندة الى مجمل العوامل المساهمة والمحركة والمساعدة في إطار واسع، لا يقتصر على نطاق زماني ومكاني ضيق ومحدود. بعبارة أخرى، ينبغي الاقرار بحقيقة أن عصابات “داعش” تعمل وتتحرك وتخطط وتختار الوقت المناسب والمكان المناسب لتضرب ويكون لضربتها اثر وتأثير واضح، وعدم الاكتفاء بفرضية أن قساوة الطقس، حيث الانخفاض الحاد في درجات الحرارة وهطول الثلوج، كان وراء ما حصل، لأن ما حصل لا ينفصل عما قبله ولا عما بعده، سواء ضمن نفس الرقعة الجغرافية أو خارجها.
واذا كان هناك من أراد أن يتعاطى مع عملية العظيم بصورة سطحية عابرة، فإن عملية هروب او تهريب مئات الارهابيين الدواعش المعتقلين في سجن غويران بمدينة الحسكة السورية، والعديد منهم قادة كبار في التنظيم، بعملية منظمة ومخطط لها بشكل جيد، أحدثت صدمة شديدة، وفرضت اعادة قراءة المشهد الأمني العام، حتى خارج حدود الجغرافيا العراقية، بشكل مغاير، لأن هذه العملية تسببت بتحرير عدد غير قليل من الارهابيين الدواعش، وطبيعي أن هؤلاء لن يتوجهوا الى بيوتهم بحثا عن الراحة والهدوء، وانما ستكون امامهم مهام كثيرة وكبيرة في العراق وسوريا، وهذا يعني امكانية ارتفاع وتيرة العمليات الارهابية النوعية، وأكثر من ذلك تمرير مخططات جديدة، قد لا تختلف عن مخطط احتلال الموصل ومدن ومناطق اخرى من قبل عصابات داعش في صيف عام 2014.
وهناك أوجه شبه كبيرة بين عملية الهجوم على سجن غويران الخاضع لسلطة واشراف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتهريب الدواعش منه، وعملية الهجوم على سجني ابو غريب والتاجي في شهر تموز-يوليو 2013، وتحرير مئات الدواعش منهما، وكان من بينهم ابو عمر البغدادي، الذي قاد بعد اقل من عام احتلال الموصل، واعلن ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية من داخل جامع النوري التأريخي في الجانب الايمن من الموصل.
وطبيعي أن أي سيناريوهات ومخططات ارهابية داعشية لن تستثني مكونًا دون آخر، ولا مدينة دون أخرى، كما حصل في السابق، وفي هذا السياق تقول المتحدثة باسم كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب الجديد، فيان دخيل، “ان هذه العملية الارهابية وما نتج عنها من هروب تذكرنا بسيناريو مشؤوم سبق ان حصل في العراق ابان هروب مجموعة كبيرة من الارهابيين من سجن ابو غريب وغيرها من عمليات الهروب قبيل وقوع الكارثة التي نتج عنها سقوط اكثر من ثلث العراق بأيدي التنظيم الارهابي، والمآسي التي حصلت في سنجار وسبايكر ونزوح ملايين العراقيين، فضلا عن تدمير المدن والقصبات بالاعمال الحربية اثناء عمليات التحرير”.
وتشدد دخيل على أهمية “منع تكرار هذا السيناريو، وأصبح لزاما على المجتمع الدولي اليوم اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتعقب الهاربين والقضاء عليهم، وعلى الحكومة العراقية الاتحادية اتخاذ اجراءات فورية وجدية على طول الحدود العراقية السورية واستنفار القوات الامنية وبضمنها القوات الجوية وقوات الحدود”.
في ذات الوقت، تطلق اوساط امنية متخصصة، مخاوف وهواجس جدية من تسلل قيادات وعناصر “داعش” الهاربين من سجن غويران الى العراق، وتشكيل خلايا نائمة داخل مناطق تساعدها على الاختفاء، لتشن هجمات في وقت اخر، مثل سلسلة جبال حمرين وصحراء الانبار.
أكثر من ذلك، لا يستبعد البعض تكرار سيناريو سجن ابو غريب وسجن غويران مع سجن الحوت في محافظة ذي قار جنوب العراق، الذي يضم أعدادًا كبيرة جدًا من الارهابيين من جنسيات مختلفة، ويبدو ان الاحداث الأخيرة ستزيد من الاصوات المطالبة بالاسراع بتنفيذ أحكام الاعدام بالارهابيين، وعدم ترك الامور معلقة بلا أي مبرر ولا مسوغ مقنع.
ويرى بعض الخبراء الأمنيين والمحللين الاستراتيجيين، ان تنظيم داعش الارهابي ما زال يهدد الاستقرار، وله اليد الطولى في ارباك الوضع وخاصة في المحافظات الحدودية، وأن الهجوم الاخير في محافظة ديالى كان مخططًا له من قبل الارهابيين.
وتشير المحللة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة الى “أن عمليات الفرار من السجون وأعمال الشغب داخلها شكلت عنصراً أساسياً في معاودة تنظيم داعش الظهور في العراق، وتشكل اليوم تهديدا خطيرا في سوريا”.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن توقيت تصعيد العمليات الارهابية مع تفاقم الأزمات السياسية على خلفية الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونتائجها الجدلية، والجهود المتعثرة لتشكيل الحكومة الجديدة، لا يخلو من ادوار مشبوهه لجهات خارجية اقليمية ودولية، في مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، التي لم يعد خافيا انها تسعى بكل ما اوتيت من قوة وامكانية لخلط الاوراق وارباك الاوضاع، حتى يتاح لها المحافظة على ديمومة واستمرار وجودها العسكري وغير العسكري في العراق وسوريا.
ويبدو ان بقاء الازمات على حالها وعدم التوصل الى توافقات وتفاهمات سريعة بين الفرقاء، يجعل الأبواب مشرعة أمام الجماعات والتنظيمات الارهابية ومن يقف وراءها ويدعمها لتنفيذ وتمرير ما تريده وتخطط له. وهذه رسالة مهمة ينبغي قراءتها بتمعن، والرد عليها بالأفعال لا بالأقوال والشعارات.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة
بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني