من هي سفيرة اميركا الجديدة في العراق؟!

عادل الجبوري ||

اعلن الرئيس الاميركي جو بايدن قبل بضعة ايام انه يعتزم تعيين الدبلوماسية المخضرمة البولندية الاصل الينا رومانوفسكي سفيرة لبلاده في العراق خلفا للسفير الحالي ماثيو تولر الذي تولى مهامه في بغداد قبل حوالي عامين ونصف العام.
يندرج تعيين رومانوفسكي في هذا المنصب، ضمن سلسلة تعيينات وتغييرات في عدد من المواقع العليا والحساسة في الادارة الاميركية، يتجه بايدن لاجرائها بما ينسجم مع اولويات سياسات واشنطن الخارجية، وطبيعة ترتيب الملفات بحسب اهميتها.
والمعروف ان الترشيح للمواقع العليا والمهمة في الولايات المتحدة الاميركية يتطلب مصادقة مجلس الشيوخ، وهذا يعني ان اختيار بايدن لمن يشغل منصب السفير في العراق لابد ان يمر عبر بوابة الكونجرس، والمعطيات والمؤشرات الاولية تذهب الى ان الاخير لن يعرقل هذا الترشيح، والاكثر من ذلك، سربت وسائل اعلام واوساط سياسية اميركية معلومات مفادها ان الرئيس بايدن حصل على الضوء الاخضر مسبقا من الكونجرس قبل ان يعلن عن اختياره.
وارتباطا بطبيعة العلاقات بين بغداد وواشنطن، والاستحقاقات المنتظرة خلال المرحلة المقبلة، من قبيل انهاء التواجد العسكري الاميركي في العراق نهاية العام الجاري، ودور العراق بملفات وقضايا المنطقة، ومعادلاتها الشائكة والمعقدة، فأن التمثيل الدبلوماسي رفيع المستوى في بلد مثل العراق وفي هذه المرحلة بالذات، ينطوي على اهمية استثنائية بالنسبة لصناع القرار وراسمي السياسات الاستراتيجية الاميركية، لانه في واقع الامر يتجاوز كثيرا جوهر المهام والوظائف الدبلوماسية التقليدية الى مساحات وميادين وفضاءات اخرى، يعكس جانبا كبيرا منها الوجود النوعي والكمي الكبير للسفارة الاميركية وسط بغداد، والتي تم اكمال تشييدها مطلع عام 2009، لتكون اكبر سفارة لواشنطن في العالم من حيث المساحة والمنشات والمباني التي تضمها والتحصينات الامنية التي تتمتع بها، فضلا عن القنصليات الاميركية الموجودة في البصرة واربيل.
انطلاقا من ذلك، ينبغي النظر الى-والتعاطي مع-من يتم تعيينه سفيرا لواشنطن في بغداد، وهذا يصدق على السفيرة المرتقبة، ربما اكثر من غيرها، ولعل البحث في السيرة الذاتية والمهنية لها يؤشر الى دقة الاختيار.
ستأتي رومانوفيسكي من الكويت الى بغداد، وقبل الكويت شغلت عدة مناصب في وزارتي الخارجية والدفاع، من قبيل نائبة المنسق الرئيسي لمكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية، ومساعد وزير الخارجية لشؤون التعليم والثقافة، ونائب مساعد الوزير في مكتب شؤون الشرق الأدنى، ومسؤولة مكتب مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، وفي وزارة الدفاع (البنتاغون)، شغلت منصب المدير المؤسس لمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني، ونائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا. علما انها بدأت مسيرتها المهنية قبل حوالي اربعين عاما كمحللة معلومات في وكالة المخابرات المركزية الاميركية، بعد ان كانت قد اكملت جزء من دراستها الجامعية في جامعة تل ابيب بأسرائيل، وهي تجيد اللغات الفرنسية والعبرية والعربية، ويقال انها تمتلك شبكة علاقات جيدة مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ومع اوساط دبلوماسية واكاديمية وفكرية اسرائيلية، واكثر من ذلك تذهب بعض الاوساط الى انها تنتمي للديانة اليهودية رغم عدم افصاحها عن ذلك، وتؤيد وتتعاطف كثيرا مع مجمل السياسات والتوجهات الصهيونية ضد الفلسطينيين. وبسبب مواقفها السياسية والتصريح بأرائها حول بعض القضايا العامة، مثل حقوق الانسان وحرية المرأة، اثارت الكثير من الجدل والسجال في دولة الكويت، حتى اقدم سياسيون واكاديميون ومفكرون كويتيون على المطالبة بطردها من بلدهم، واوضحواقرب مثال على ذلك، التغريدة التي نشرتها على حساب السفارة الاميركية في الكويت قبل ثلاثة اسابيع، والتي باركت فيها حلول عيد “الحانوكا” اليهودي الذي يعد من ابرز الاعياد الدينية في الكيان الصهيوني، ويتمثل باحياء ذكرى تدشين ما يسمى بالهيكل الثاني في مدينة القدس عام 164 قبل الميلاد.
ومن خلال الاطار العام لسيرتها ومسيرتها المهنية، يبدو واضحا ان مهمة الينا رومانوفيسكي ستكون استثنائية ومتشعبة في العراق، فمن جانب، ستعمل على تكييف الظروف والمواقف مع القبول بفكرة تغيير مهام القوات الاميركية من قتالية الى استشارية وتدريبية، لتفرغ مطلب الانسحاب الكامل من مضمونه وجوهره، ومن جانب ثان، تعمل على تسويق التطبيع مع الكيان الصهيوني، عبر بوابات وقنوات سياسية وثقافية وفكرية واجتماعية مختلفة، ومن جانب اخر سيكون مطلوبا منها العمل الدؤوب على تفكيك محور المقاومة، اي بعبارة اخرى تحجيم وتقليص ما يسمى بالنفوذ الايراني في العراق.
واغلب الظن، ستعمل الينا رومانوفيسكي مع المبعوثة الاممية جينين بلاسخارت كثنائي منسجم في الاهداف والتوجهات والاجندات، وبوجودها من المرجح ستشهد الساحة السياسية العراقية الكثير من الشد والجذب، بقدر اكبر مما اثاره السفير البريطاني السابق ستيفن هيكي، او السفير التركي السابق فاتح يلدز.
وبما انه وفق السياقات والاعراف الدبلوماسية، يفترض ان تقدم الولايات المتحدة الاميركية ملف السفيرة المقترحة الى الحكومة العراقية لتدرسه، ومن ثم اما تقبل بها سفيرة لبلادها في العراق او ترفض. فيا ترى هل سيكون بأمكان صناع القرار في بغداد رفضها ومطالبة ادارة بايدن استبدالها بشخصية اخرى، ام ان الامور سوف تسير وفق ما تريد وتخطط واشنطن؟.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

آلية وأدوات التغيير القادم في العراق..!

✍️ماجد الشويلي ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *