إدمان ثقافة التَّجزئة

الشيخ محمد الربيعي ||

اليوم ومنذ زمن ليس ببعيد تحوَّل المذهب إلى جماعات ، وتحوَّلت الجماعات إلى فئات وانتقلت هذه الحالة الى كافة جوانب الحياة بتفكك حتى على مستوى السياسة و ما شابه ، و لا يوجد هناك من يكون مستعدّاً للتنازل عن شيء من رأيه..
و إذا قدّم أيّ إنسان بعض التنازلات أمام ما يعتقد أنَّه الحقيقة ، فهناك الإرهاب الفكريّ في داخل هذا المذهب او في داخل ذلك الحزب السياسي او في داخل تلك الحركة لمن يبتعد خطوةً ، لا عن مسلّمات المذهب او الحزب او الحركة ، و لكن عمّا يتحرك في الخطّ الفكريّ العامّ هنا و هناك ، حتى إن المسألة تحركت في أنَّنا أدمنّا ( ثقافة التّجزئة ) ، حتى تحوَّل المذهب الواحد إلى مذاهب و تحول الحزب الواحد الى احزاب وتحولت الحركة الواحدة الى حركات ، و انطلقت العصبيَّة التي تحكم المذهبيَّة او الحزبية او الحركية لتحكم الآراء المختلفة في داخل المذهب الواحد او الحزب الواحد او الحركة الواحدة.
ومن هنا ، لم تعد المشكلة هي كيف تُوحِّد المسلمين و كيف نوحد الامة الواحدة ، بل كيف نوحّد السنّة في داخلهم ، والشيعة في داخلهم ، و الحزب السياسي في داخله و الحركة السياسية في داخلها، فالمشكلة اكبر من توحيد المسلمين كمذاهب بينهما، بل كيف نوحّدها لتتحاور و لتتعاون، لا أن يكفِّر بعضها بعضاً.. أصبحت مسألة التّكفير او الاختلاف هي الطابع الَّذي يحكم الواقع الإسلاميّ مع الاسف الشديد ، دون أن نحدِّد على المستوى الموضوعيّ، و على المستوى الكتاب و السنَّة ما هو مفهوم الكفر في الإسلام وما هي الواقع التي تستوجب الاختلاف او الخلاف ، ما هي العناصر الحيويّة التي يكون الإنسان بها مسلماً ، و بإنكار أحدها يكون الإنسان كافراً.. ضاعت القضيَّة في داخل هذا المفهوم ، فأصبح لكلّ طرف أو كلّ فئة مفهومها في الكفر و الضّلال وفي الخلاف و الاختلاف و ما إلى ذلك من الأمور .
محل الشاهد :
أنّنا لا نزال متخلّفين نملك علماً ، متخلّفين نملك أبحاثاً ، إنّنا متخلّفون في معنى دور الإسلام في الحياة، اننا مختلفون في معنى السياسة و ما دور الاسلام فيها ، و حركة الإسلام في مواجهة التحدّيات ، عندما نُدخل الإسلام في سجن ذاتنا و نغلق عليه.. لقد انطلق الإسلام من القمقم ، ولكنّ حرّاس القماقم عملوا على أن يدخلوه في قمقم جديد ، قمقم العصبيَّة ، وعُدنا نفلسف العصبيَّة و نقول إنّها تساعدنا على أن نحفظ الأصالة هنا و الأصالة هناك ، لكن هناك فرق بين التعصّب و الالتزام .
أن تتعصَّب ، أن تختنق في داخل ذاتك ، أن تخرج من إنسانيّتك في وعي إنسانيّة الإنسان الآخر ، أن تتعصَّب ، أن لا تفكّر من جديد .
إنّ معنى أن تلتزم ، أن تعطي اقتناعك بالفكرة معنى حركة الفكرة في وجدانك ، و لكن إذا كان من حقِّك أنت أن تختلف مع الآخر ، فلماذا ترجم الآخر عندما يختلف معك ؟!
الّذين لا يفتحون قلوبهم للحوار هم ضعفاء و جبناء ، لأنهم يخافون من الحقيقة أن تهزم أوهامهم ، لذلك ، لن ينطلق الإسلام في الواقع إذا لم نجعله يتحرك في الهواء الطلق.. لا تخافوا على الإسلام عندما يدخل في ساحة الصّراع ، و لا تخافوا على فهمكم للإسلام أن يعيش في ساحة الصّراع ، لأنَّ الإسلام بما يملك من عناصر القوَّة ، يستطيع أن يحمي بحركيَّته الفكريَّة نفسه و شرائعه ، و أن يحمي نفسه من أتباعه عندما يسيئون فهمه ويتحدّون الأصالة فيه..
نطلب من الجميع ان يرجوا الى وحدتهم وان يكونوا ساعين الى نبذ الفرقة و التجزئة
اسال الله حفظ الاسلام و المسلمين
نسال الله حفظ العراق و شعبه
ــــــ

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

حديث الإثنين.. سيظل العرب في غيهم يعمهون..!

احمد ناصر الشريف ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *