للكاتب: احمد الحاج
بينما كنت اتابع عن كثب قصصا مؤثرة،وصورا عاصفة،ومواقف رائعة،وبطولات خالدة تسطر على ارض فلسطين الحبيبة منذ ايام ستكتب بماء الذهب ولاريب،ليس اولها قصة رجل الاطفاء الصابر المحتسب حسن العطار الذي ودع بصبر واحتساب ابنته لمياء العطار (27 عامًا) وأطفالها – احفاده – كل من محمد زين (5 شهور) وإسلام (5 سنوات) وأميرة (6 سنوات) ، اضافة الى جارتهم وتدعى فايزة أبو وردة (45 عاما) وذلك عقب انهيار منزلهم فوق رؤوسهم بغارات الصهاينة المجرمين الانجاس، وليس أخيرها قصة “خنساء فلسطين ” أم احمد العابد وهي تودع ثالث ابنائها “مصطفى “الذي ارتقى شهيدا بالقصف الصهيوني الغاشم على غزة الصمود والبطولة والتحدي بإتسامة ارتسمت على وجهها ، وذلك بعد ان كانت قد ودعت ابنها الشهيد الاول محمود العابد عام 2003 ، ومن ثم ابنها الشهيد الثاني، خالد العابد عام 2009 ، سألت نفسي وتساءلت ” بالله عليكم هل هذا شعب بإمكان الكيان الصهيوني المسخ ، ونصيره بايدن ابو عثرة ، وترامب ابوكذيلة وشعر سارح ، وبقية الحثالات والمسوخ البشرية أن يهزمونه يوما قط ؟!
ولعل أروع ما في هذه الانتفاضة الفلسطينية “الصاروخية..الحجرية..البشرية..المقدسية “المباركة أنها قد غادرت كليا آفات” الشخصنة،الاقلمة،الادلجة،المحورة ، المذهبة ” فلم يقل احد حتى الان ولن يقول بأنه لولا الرئيس الفلاني لما انتصر المرابطون في بيت المقدس واكناف بيت المقدس لتحمل صوره – فتضيع بوصلة الانتفاضة كليا وتشخصن برئيس على حساب المقدسات والبطولات والتضحيات – ، ولولا النظام العلاني لما صمد المرابطون لترفع شعاراته وصور مرجعياته – فيبدأ التجريح والتخذيل والتسقيط او التأييد بحسب المذهب والطائفة والولاء لهذا النظام او البراء منه فتضيع الانتفاضة وسط ركام هائل من الكراهية والحقد التأريخي والاساطير والخرافات والتجاذبات والمهاترات التي نخرت الامة نخرا – ، ولولا الزعيم الفستكاني لما صبر المرابطون – فيبدأ الرد والرد المضاد على مواقع التواصل بين مؤيد أو معارض لهذا الزعيم لينسى الاقصى في خضم ذلك كله ويتحول النقاش ويتمحور حول شخص الزعيم وخلفياته السياسية والمذهبية والقومية والدينية فقط لاغير مشفوعا بالصور – ، انها انتفاضة فلسطينية عربية اسلامية شعبوية خالصة ونقية لم ولن ترفع فيها سوى صور شهداء الاقصى وغزة وبقية المدن الصابرة المحتسبة الثائرة الصامدة ، ثورة لن يثنى فيها سوى على ابطال المقاومة الفلسطينية الباسلة فقط لاغير ولاتوفيق ولا فضل الا من عند الله تعالى وحده سبحاته ، كل ماعدا ذلك من لافتات وشعارات وجعجعات وزعامات وقيادات ومهاترات وصور وبيانات صدعت رؤوسنا طويلا بين هذا النظام وذاك ، بين هذا المحور وذاك ،بين هذا الزعيم وذاك ، والكل يزعم وصلا بليلى وليلى لاتقر لهم بذاكا ، الكل يدعي كذبا بأنه ايقونة المقاومة ومحورها وأنه هو الذي سيحرر فلسطين والقدس والاقصى، وان تحريره سيبدأ من هذا البلد ، وسينطلق من ذاك الوطن ، وانه لن يصل الى القدس الا عبر المدينة الفلانية والمحافظة العلانية، ثم ظهر وعلى حين غرة بأنهم كلهم اسوة بجائحة الدول العربية ومنظمة – التهاون الاستسلامي- ومجلس القمل الدولي ، فاشوش ولا اريد الخوض في التفاصيل ها هنا لأنها – مقرفة – وقد اثبتت بما لايدع مجالا للشك بأن شعاراتهم وهوساتهم ولافتاتهم كلها مجرد ..فالصو ، وان اهل غزة والقدس وبقية المدن الفلسطينية الصامدة فحسب ادرى بشعابها وهم امل الامة الناهض ، وكل المجعجعين خارج حدودهم – هواء في شبك ، زوبعة في فنجان ، جعجعة من غير طحين !
واروع ما في هذه الانتفاضة المباركة انها نجحت في المواءمة بين العاطفة والعقل ، بين القيادة وقواعدها الجماهيرية ، ولم تراهن او تركن الى احدهما على حساب الاخر البتة ، لأن الثورات العاطفية الشعبية المجردة سرعان ما يخبو اوارها وتنطفئ جذوتها ،ليعود النوام الى فرشهم مجددا وكأن شيئا لم يكن بعد افراغ كل مافي جعبتهم من شحنات عاطفية لفترة ما قد تطول وقد تقصر ليركب موجة ثورتهم في نهاية المطاف ويمتطي صهوتها بعض المحسوبين والذيول والاذناب على المنظومة والنظام الذي ثاروا ضده اساسا ..كذلك الثوارت العقلية المجردة الخالية من العواطف فهذه جامدة ، باردة ، باهتة ، خاملة ، مجاملة ، تتعامل مع المحسوس والمنظور فحسب وتتقيد به وشعارها وعلى قول المثل الشعبي ” امشي شهر ، ولا تطفر نهر ” او ” اليد التي ما تكدر تلاويها ..بوسها وادع عليها بالكسر !” وبالتالي فهي لاتحرك ساكنا الا من زاوية ورؤية وايدولوجية وخلفية ومذهبية وطائفية وادبيات العقل الذي يحركها ” فاذا كان العقل المحرك اشتراكيا فالثورة ستتحرك على وفق العقل الاشتراكي المهزوم الذي يقودها ..اذا كان العقل المحرك يمينيا فعلى وفق العقل اليميني المأزوم الذي يتزعمها ..اذا كانت علمانية فعلى وفق العقل العلماني – الهشك بشكي – الذي يقودها ..اذا كانت طائفية نتنة فعلى وفق العقل الطائفي المقيت والسقيم والكريه جدا الذي يمسك بزمامها ، وهكذا دواليك ” ..الثوارت العقلية الراجحة المشحونة بالعوطف الجياشة المنبضطة بالاخلاق السامية ، المحكومة بالقيم النبيلة وبالتعاليم السماوية النقية البيضاء الخالدة هي وحدها الناجحة …اما ثوارت العواطف المجردة فـ – فشنك – كذلك ثورات العقول اللاعاطفية الجامدة = فشنك ، كذلك ثورات الطوائف والطائفيات والمذهبيات والايدولوجيات = فشنك ، ثوارت ” الجماهير والقيم والاخلاق والمبادئ والعواطف النبيلة المنضبطة العاقلة ” هي وحدها الراجحة والناجحة فحسب …بعض المجعجعين المعروفين والمتاجرين بالقضية ونتيجة لخيبتهم وخورهم وضغط جمهورهم عليهم وسخرية خصومهم منهم هذه المرة صاروا بيثون مقاطع فيديو محلية قديمة على يوتيوب حاليا توهم المشاهد بأنهم في الطريق الى الاقصى والقدس حاليا لتحريره …ولسان حال الاقصى المبارك يقول ” بس اطلعوا منها ، كل الامور تسهل وتهون !”.اودعناكم اغاتي