أكد موقع Al-Monitor الأمريكي، في تقرير له، اليوم الأربعاء 2021، أن الجائحة والنظام الطبي الهش في البلاد قد دفعا الشعب التونسي نحو الهاوية، كما اعتبرت أن هذه الوضعية المتأزمة “عجَّلت جزئياً بتولّي الرئيس قيس سعيد للسلطة التنفيذية في 25 تموز”، بينما يفكر جُل الأطباء في مغادرة البلاد، بسبب ظروف العمل الصعبة والجائحة.
فرغم التبرع باللقاحات والمعدات والمعونة الطبية؛ ما يزال كبار الأطباء يخشون أن تدفع ظروف العمل السيئة منذ فترة، الأطباء إلى الرحيل عن البلاد، تاركين الخدمات الطبية في وضعٍ أسوأ مما كانت عليه قبل الأزمة وأقل قدرة على الاحتمال في حال مواجهة موجةٍ جديدة.
و قال الأستاذ إيهاب لبين، أخصائي التخدير والعناية المركزة المُكلّف بإدارة خدمات الرعاية المركزة خلال الجائحة، لموقع Al-Monitor الأمريكي، إن أزمة تونس مع كوفيد-19 تعود جذورها إلى تشرين الأول عام 2020″.
فحتى ذلك الوقت كانت تونس تُسيطر بحزم على انتشار العدوى من خلال العزل الكامل وتحديد ساعات فتح المقاهي والمتاجر، وأردف: “لقد كانت تلك الموجة الأولى في تونس، والموجة الثانية في العالم، ووصلت نسبة إشغال المستشفيات إلى 80% وقتها بسبب حالات كوفيد. لكن إجراءات الإغلاق المُطوّلة أضرت بالاقتصاد المتهالك، ونقل البنك الدولي في تقاريره الأنباء عن زيادةٍ في تقلصات الاقتصاد الكبيرة”.
لكن موجة العدوى التي كانت متوقعة في تموز، كانت الأكثر تدميراً، بوجود تحوُّر دلتا شديد العدوى من فيروس كورونا”.
وقد رُفِضَت دعوات اللجنة العلمية الوطنية إلى إغلاقٍ جديد بحسب لبين، حيث قالت الحكومة: “إننا لا نستطيع تحمُّل تكلفة تمويل ثلاثة أسابيع أخرى من العزل”. بينما يرى لبين أنّ إجراءات الإغلاق كانت ستنقذ “حياة نحو ثلاثة آلاف شخص”.
منظومة على حافة الانهيار
في ظل هذا الوضع، تحدثت الطبيبة المتدربة بمستشفى المنجي سليم، أميمة عثمان، وزميلتها المتدربة يسرا مويلحي، عن الاجتماعات الصباحية التي تبدأ بمهمةٍ مقيتة حين يُقرر كبار الأطباء هوية المرضى الذين سيحصلون على سرير وأوكسجين”.
ويقول لبين إن البلاد اضطرت لتعديل بروتوكولات العلاج بالأكسجين من أجل إدارة الإمدادات المتوافرة، وأقر كافة الأطباء بأنّه في الظروف المضغوطة، لا يحصل كبار السن على أسرة وحدات العناية المركزة”.
وأردف لبين أن تونس لديها اثنان من المنتجين التجاريين للأوكسجين، لكن الطلب في يوليو/تموز، كان يُساوي أكثر من ضعف الإنتاج اليومي: “نحن ننتج 110 آلاف لتر من الأوكسجين السائل يومياً، لكننا نستهلك 240 ألفاً في اليوم”. وقد كان الوضع كارثياً لدرجة أن وكالة Associated Press الأمريكية تحدثت عن ازدهار السوق السوداء لتجارة الأوكسجين من أجل الاستعمال المنزلي”.
بينما اشتكت يسرا من أن التدريب في الطب الباطني قد تعطّل بسبب الجائحة، حيث أوضح لبين: “نحن نشهد الآن جيل أطباء كوفيد-19″، مشدداً على ضرورة تعويض خسارتهم وقت التدريب في تخصصاتهم المختارة.
وبعد العمل على مدار الساعة منذ أواخر حزيران عند بداية الموجة الثالثة، تقول يسرا إنها لا ترى مجالاً للراحة في الأفق حتى الآن: “نحن مرهقون، لكنني سمعت أن وزارة الصحة قد تلغي أيام الإجازة”. في حين قالت أميمة، التي تنفي إصابتها باضطراب الكرب التالي للصدمة: “بعد يومٍ طويل من علاج مرضى كوفيد-19، وبمجرد أن تغادر المستشفى تسمع أصوات حفل زفاف. إنّه أمرٌ مدمر، ولا يسعني وصفه إلا بأنه يُشبه (نهاية العالم)”.
تكلفة باهظة والأطباء يفرون من البلاد
فقد بدأ خبراء الطب أيضاً في إحصاء التكلفة الكاملة للعلاج المكثف، إذ قال لبين إن سرير الأوكسجين العادي يُكلّف 216 دولاراً في اليوم، ومتوسط الإقامة هو 10 أيام”.
بينما تصل التكلفة الأساسية لأسرَّة وحدات العناية المركزة إلى 576 دولاراً، وتصل فترة الإقامة عادةً إلى ثلاثة أسابيع، خاصةً لدى المرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاماً، لذا فإن التقديرات التقريبية تجعل أقل تكلفة لتشغيل 600 سرير داخل وحدات العناية المركزة بطاقتها كاملةً لمدة ثلاثة أسابيع، تساوي مليون دولار.
في حال وصول موجةٍ أخرى من العدوى، يقول لبين إن أزمة تونس المزمنة -والمتمثلة في هجرة العقول- ستكون أكثر سوءاً من أي وقتٍ مضى: “كل عام يتخرج 1200 طبيب، وكل عام نفقد 600 طبيب منهم. وفي حال مواجهتنا موجةً أخرى، فسوف نكون جاهزين من ناحية المعدات والأوكسجين. لكن مشكلتنا الحقيقية ستكمن في نقص العمالة الطبية المدربة”.
بينما قالت أميمة ويسرا إن جهود الحكومة لمنع الأطباء الشباب من ترك البلاد قد باءت بالفشل.
حيث قالت يسرا: “يختار الأطباء الشباب التخصصات التي تؤهلهم سريعاً للعمل والحصول على وظيفة خارج البلاد”.
وأردفت أن الأمر لا يتعلق بالأجر، بل بظروف العمل: “نحن منهَكون، وجميعنا نفكر في الرحيل عن تونس”. انتهى م4
المصدر: الوكالة الرسمية