زينب عقيل ||
ما يجعل الحبوب منتجًا استراتيجيًا عالميًا على رأس هرم الأمن الغذائي العالمي هو أنها إلى جانب ناتجها الأعلى بين أي نوع آخر من المحاصيل، فإنها أيضًا توفر طاقة غذائية للبشر والماشية أيضًا أكثر من المحاصيل الأخرى. يعتبر القمح والأرز والذرة والشعير والشوفان من أهم محاصيل الحبوب حول العالم. ومن المتوقع أن الحروب المستقبلية ستتمحور غالبًا حول هذه السلع، فالتغير المناخي يترك بصماته الجدية على المحاصيل، بالإضافة إلى الوضع الصحي العالمي إثر جائحة كورونا التي عطلت سلاسل التوريد، ومؤخرًا الوضع الأمني العالمي الذي أنتجته حرب أوكرانيا، كل ذلك أدى إلى انخفاض المخزونات وزيادة الطلب وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار.
عام 1977 وهو أول تسجيل حديث لأسعار القمح العالمية في التاريخ الحديث، بلغت تكلفة الحبوب 20 دولارًا لشراء مكافئ مع العام الحالي 2023 بقيمة 90.88 دولار. بمعدل تضخم عام بلغ 3.35% شهد تغييرات عام 1980 بتضخم بلغ 13.78، وعام 2022 بتضخم بلغ 13.76%، وعام 1981 بتضخم بلغ 11.6% مع جائحة كورونا، وعام 2023 بتضخم بلغ لحد الآن 7.23% وهو غير نهائي، ومن المتوقع أن ترتفع بنسبة 29% بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي.
حبوب القمح
أولًا: التغير المناخي
الواقع أن المعدل والنطاق الجغرافي لموارد الأراضي والمياه العذبة العالمية على مدى العقود الأخيرة لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، كما يقول تقرير أعدته لجنة الأمم المتحدة من العلماء من جميع أنحاء العالم حول تغير المناخ. واستعرضت بيزنس ستاندرد نسخة مسربة من مسودة التقرير أرسلت إلى حكومات 197 دولة. ويحذر التقرير الحكومات من أنه مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، من المتوقع أن يزداد الضغط على موارد الأراضي وإنتاجيتها.
يحمل تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة عنوان “التقرير الخاص للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بشأن تغير المناخ والتصحر وتدهور الأراضي والإدارة المستدامة للأراضي والأمن الغذائي وتدفقات غازات الدفيئة في النظم الإيكولوجية الأرضية”. وقد خلص مؤلفو التقرير، الذين استخلصوا من خلال أحدث الأبحاث العلمية، إلى أن “تغير المناخ الملحوظ يؤثر بالفعل على الركائز الأربع للأمن الغذائي – التوافر، والوصول، والاستخدام، والاستقرار – من خلال ارتفاع درجات الحرارة، وتغيير أنماط هطول الأمطار، وزيادة تواتر بعض الأحداث المتطرفة”. ويقول التقرير إنه من المتوقع أن يؤدي استمرار تغير المناخ إلى زيادة “خلق ضغوط إضافية على أنظمة الأراضي مما يؤدي إلى تفاقم المخاطر المتعلقة بالتصحر وتدهور الأراضي والأمن الغذائي”. وسيكون نصف السكان المعرضين للخطر بسبب الجفاف الناجم عن تغير المناخ في جنوب آسيا. ويشير الفريق العلمي إلى أن تدهور الأراضي بسبب تغير المناخ يؤدي بالفعل إلى ما يترتب على ذلك من حلق الاقتصاد العالمي. يقول التقرير: “هناك آثار سلبية متزايدة على الناتج المحلي الإجمالي من التأثيرات على القيم البرية وخدمة النظام البيئي مع ارتفاع درجة الحرارة”.
وتظهر نتائج النمذجة، التي استعرضتها اللجنة العلمية، أن أسعار الحبوب يمكن أن ترتفع بنسبة تصل إلى 29٪ في عام 2050 بسبب تغير المناخ، مما سيؤثر على المستهلكين على مستوى العالم من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية، على الرغم من أن التأثير سيختلف حسب المناطق. ومن المتوقع أن ينخفض استقرار الإمدادات الغذائية مع زيادة حجم وتواتر الأحداث المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ، مما يؤدي إلى تعطيل سلاسل الغذاء على مستوى العالم. تؤثر الزيادة في درجات الحرارة العالمية وما يترتب عليها من تغير المناخ بالفعل على إنتاجية الثروة الحيوانية، والتي تعد واحدة من الدعائم الأساسية للاقتصاد الريفي الهندي. وخلص المؤلفون إلى أن “الآثار الملحوظة في النظم الرعوية تشمل انخفاض المراعي، وانخفاض معدلات نمو الحيوانات وإنتاجيتها، ووظائف الإنجاب التالفة، وزيادة الآفات والأمراض، وفقدان التنوع البيولوجي”.
ثانيًا: الوضع الأمني العالمي
تعتبر أوكرانيا وروسيا من أكبر مصدري الحبوب حول العالم. تؤمن أوكرانيا وحدها ما نسبته 40% من انتاج الحبوب العالمي، لكن الاضطراب طويل الأجل للصادرات من أوكرانيا والاعتماد على عدد أقل من البلدان للحبوب قد يتسبب في أن تصبح الأسعار أكثر تقلبا. ارتفعت نسبة الأسعار فور إعلان روسيا الخروج من مبادرة الحبوب في البحر الأسود، بنسبة 13% إلى اليوم. وهي مبادرة يعترف العالم أجمع أنها حاسمة في تحقيق الاستقرار في أسعار الغذاء العالمي. وعلى الرغم من أنّ الإمدادت جيدة على المدى القصير، إلا أنها بعد فترة من الزمن ستعرّض السوق العالمية لخطر تحقيق الأمن الغذائي للسوق العالمي.
ماذا يعني ارتفاع أسعار الغذاء حول العالم؟
الواقع أن ارتفاع أسعار الحبوب سيؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية من خبز وزيت وأرز وغيرها مما يوضع يوميًا على موائد الناس، واليوم يعتبر الاقتصاد الأوروبي هو الأكثر تأثرًا بارتفاع أسعار الحبوب، وقد أصبحت مقاطع الفيديو التي تظهر البريطانيين الذين يحاولون الوصول إلى الوجبات المجانية رائجة جدًا. أما على مستوى الأفراد، فإن الدول الفقيرة حول العالم بالطبع ستكون الأكثر تأثرًا، وخاصة تلك التي تعتمد على المساعدات من الدول الأخرى، التي بالكاد سوف تتمكن من إطعام شعوبها في المستقبل. وللمفارقة، فإن هذه الدول قادرة على إنتاج محاصيلها الخاصة فيما لو تركت لنفسها من قبل الدول الكبيرة.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة
بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني