عيد الغدير.. عيد الله الأكبر

عبود مزهر الكرخي ||

يهل على الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء عيد الأعياد وهو عيد الغدير الذي يطلق على اسم عيد الغدير في السماء يوم ” العهد المعهود”، وفي الأرض يطلق عليه يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود وذلك على حسب اقوال أهل الشيعة، أما عن إطلاق اسم عيد الغدير عليه فقد جاء نسبة إلى المكان الذي حدثت فيه خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العودة من حجة الوداع وقد كانت بالقرب من غدير خم القريب من منطقة الجحفة.
والمتتبع الى مجريات الرسالة المحمدية أنه كان نتيجة منطقية ، والذي كان على قدر من المسؤولية والحكم بالعقل والمنطق يجد أن بيعة غدير خم هي نتيجة منطقية ونهائية وفي تلك الخطبة من قبل الرسول الأعظم محمد(صل الله عليه وآله)بأنه وصي رسول رب العالمين وخليفة الله في الأرض من بعد النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله) عندما أصبح ولي كل مؤمن ، والذي جاء بعد نزول جبرائيل(عليه السلام)على النبي محمد وتبلغيه بهذا الأمر الإلهي من خلال الآية الكريمة التي ذكر فيها في محكم كتابه بقوله { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (1).

والتي كانت مسبوقة بالآية الكريمة والتي نزلت بعد حجة الوداع {…الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…}(2) ، وإكمال الدين وإتمام النعمة هي ولاية ووصاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)
وفي مقالنا سوف نستعرض قدر الإمكان التسلسل لمجرى الرسالة الإسلامية وكيف كان الأمور تجري من أجل اتمام هذا الأمر قبل صعود النبي محمد(صل الله عليه وآله)إلى الرفيق الأعلى وجوار ربه ، ومن خلال الوقائع التاريخية مشفوعة بالدلائل والمصادر وحتى من قبل القرآن الكريم في بعض الأحداث.

كفالة النبي محمد(صل الله عليه وآله) إلى الأمام علي(عليه السلام)
والقارئ لهذه الحادثة من خلال مصادر الفرق الأخرى أنه ” سبب آخر دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في كفالة الإمام علي (عليه السلام) وهو من نعم الله تعالى، وهو أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى حمزة والعباس: (إن أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة فانطلق بنا نخفف من عياله، فدخلوا عليه وطلبوه بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ثم بقي في وحده إلى أن أخذ يوم بدر واخذ حمزة جعفرا فلم يزل معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة وأخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر ثم فقد فلم يعرف له خبر، وأخذ رسول الله عليا وهو ابن ست سنين كسنه يوم أخذه أبو طالب فربته خديجة والمصطفى إلى أن جاء الإسلام وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد فكان مع النبي إلى أن مضى وبقى علي بعده) (3)”.

وهو تفسير فيه الكثير من الشبهات والتفسير المنطقي هو أن ” الاختيار الإلهي حينما وقع في شخص النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وأمرهم بنشر الدين الإسلامي، واختيارهم من دون سائر البشر دليل على أن لهم مكانة مخصوصة وكبرى عند الله تعالى، وحينما نرجع الى العلاقة بين النبي وأمير المؤمنين (صلوات الصلاة والسلام) نراها علاقة ليست كباقي العلاقات الاجتماعية من حيث النسب أو الصهر؛ فليست القضية مجرد حب شخص النبي (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام)، بل هو أمر من الله (عز وجل) بأن يتكفل النبي (صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين (عليه السلام) منذ كان صبياً، بدليل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (اخترت من اختار الله لي عليكم عليا) (4).

ولو رجعنا إلى الخطبة القاصعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) نرى فيها المنزلة الخصيصة له عند رسول الله (صل الله عليه وآله) حيث تبين كل معالم الكفالة حيث يقول (عليه السلام): (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله (صل الله عليه وآله)، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه… ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله)
وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ…) (5).

وقد سمع رنة الشيطان في ليلة نزول الوحي ، وعن الإمام علي (عليه السلام): ( كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبيحة الليلة التي أسري به فيها وهو بالحجر يصلي، فلما قضى صلاته وقضيت صلاتي سمعت رنة شديدة، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ قال: ألا تعلم؟! هذه رنة الشيطان؛ علم أني أسري بي الليلة إلى السماء فأيس من أن يعبد في هذه الأرض ) (6).
ويشير الإمام الصادق(عليه السلام) إلى هذا الأمر في حديثه بقوله : (رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : ” رَنَّ إِبْلِيسُ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ (7) : أَوَّلُهُنَّ يَوْمَ لُعِنَ . وَ حِينَ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ . وَ حِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه و آله ) عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ .
وَ حِينَ أُنْزِلَتْ أُمُّ الْكِتَابِ .

وَ نَخِرَ نَخْرَتَيْنِ (8) : حِينَ أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ . وَ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ ” (9) .
وبهذه التربية في حجر الحضرة النبوية الشريفة أن يتربى ويقطف من ثمار الأخلاق النبوية الشريفة ، والسجايا النبيلة للرسول الأعظم ، وأن يعمل تحت رعايته وفي كنفه , بتوجيهه وقيادته إلى أعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي ، وأن يكون بالتالي هو نفس النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله) ، كما في جاء في آية المباهلة{…أنفسنا وأنفسكم…} معصومة من الزلل وأمنة من الفتن ومطهرة من كل أنواع الدنس ، وبالتالي يذهب عنه الرجس وطهره تطهيراً.

ومن هنا كان الاختيار الإلهي في كفالة النبي محمد(صل الله عليه وآله)الى أمير المؤمنين هو أمر إلهي ولتكون منزلة أمير المؤمنين(عليه السلام) بمنزلة الرسول(صل الله عليه وآله) ، وهذا مصداق إلى قوله(صل الله عليه وآله) : { أما ترضی أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي } (10).

ورغم وجود بعض الاختلافات في صياغة الحديث ، إلاّ أنّ المضمون واحد ومشترك بين جميع الصياغات ، وهذا الاختلاف راجع بالأساس لنقل الرواة و ومدى ضبطهم للعبارة ، وكذلك صدور الحديث من النّبيّ(صل الله عليه وآله) في مواضع كثيرة لا موضع واحد ، كما أشار إلى ذلك بعض العلماء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

رؤية في خريطة المرجعية..!

الكاتب والمحلل السياسي || ميثم العطواني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *