تشهد الأسواق العراقية حركة جيدة لشراء الحلويات وباقي مستلزمات عيد الأضحى، وبينها ملابس الأطفال، وذلك رغم ارتفاع الأسعار نسبياً بسبب الغلاء الناتج من انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار.
ويجدول العراقيون أيام العيد بحسب الاهتمامات وأولويات الزيارات التي تبدأ عادة بالأهل وبيت الجد، ويليها توزيع الأضاحي على الفقراء والمحتاجين، ثم السفر إلى أحياء أو محافظات أخرى لاستكمال الزيارات.
وقد تختار شرائح السفر إلى الخارج، مثل تركيا ومصر وتونس، لتمضية عطلة العيد التي حددت السلطات فترتها هذه السنة بستة أيام من 27 حزيران الجاري إلى 2 تموز المقبل.
ويقول مناف الجنابي (44 سنة) الذي يسكن في بغداد: “منحت الحكومة خمسة أيام عطلة لعيد الأضحى، وهي فترة جيدة للموظفين كي يرتاحوا قليلاً من تعب الدوام الرسمي والمجاملات والإرهاق، لا سيما خلال الفترة الحالية التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة”.
يضيف: “لا يختلف عيد الأضحى الحالي عن الأعوام السابقة، إذ يمثل حالة هادئة لتقوية العلاقات الاجتماعية، وتبادل الأحاديث عن ذكريات الماضي الجميل، كما يشكل مناسبة لحل الخلافات والمشاكل بين المتخاصمين، وكذلك لزيارة الأقارب الذين لا تسمح ظروف العمل برؤيتهم كثيراً”.
ويرى أن “عادات وتقاليد عيد الأضحى لم تتغيّر في العراق، بل زاد التمسك بها وتوريثها لأنها تمثل جزءاً من الثقافة الإسلامية والاجتماعية عموماً. وفي بغداد مثلاً، يشارك المسيحيون شعائر المناسبة مع المسلمين، ويتبادلون التهاني والهدايا والزيارات. وبالطبع يعتبر الأكل والشرب والملابس الجديدة من علامات العيد، رغم أن أشكالها تغيّرت مع الاحتفاظ بمضمونها. وفي السنوات السابقة كان كل بيت يعد كعك العيد (الكليجة)، لكن عائلات تدأب منذ سنوات على شرائها جاهزة من محلات الحلويات والمعجنات”.
وتصنع “الكليجة” من الدقيق المغمس بالدهن البلدي. وحين تصبح المادة على شكل عجينة يجري تقطيعها على شكل قطع صغيرة تحشى بنوع خاص من التمر يسمى “الخستاوي” الذي يحتفظ بطراوته على مدار السنة. كما تحشى العجينة بمواد أخرى مثل السمسم أو المكسرات المجروشة ومطيبات ومواد مختلفة، بحسب الرغبة.
من جهتها، تتحدث تبارك محمود (39 عاما) التي تقيم في مدينة كركوك، عن أن “عادات العيد لا تتغيّر، حتى إذا شهد العراق ظواهر فكرية أو تطورات تكنولوجية لأنها جزء من التراث. وتعتبر كركوك مثلا بين أكثر محافظات العراق تنوعا على صعيد الطوائف والشرائح التي يشترك جميع أفرادها في نفس العادات التي تشمل توزيع الأضاحي، وتنفيذ الزيارات وتبادل التهاني”.
وتشير إلى أنه “من المعروف أن الأسر تبقى في منازلها لاستقبال الضيوف والمهنئين بالمناسبة والأقارب في اليومين الأولين، في حين تخصص اليومين الأخيرين من أيام عيد الأضحى لزيارة باقي الأقارب في أجواء حميمة تحمل صورا إنسانية للتسامح بين الجميع”.
تتابع “تناول كعك العيد (الكليجة) أحد أهم طقوس عيد الأضحى، إضافة إلى إعداد الطعام للضيوف والاجتماع على طاولة طعام واحدة. وهذه المشاهد لا تتكرر كثيرا باقي أيام السنة، وتحدث بالكاد في عيدي الأضحى والفطر اللذين يوفران فرصة مهمة لتلاقي العائلات العراقية. أيضاً يعتبر السفر إلى إقليم كردستان خياراً وارداً خلال أيام عيد الأضحى، خصوصا أن الإقليم يضم مناطق سياحية، وقد يتواجد أقرباء يسكنون هناك. وينقل الزوار عادة هدايا مثل الكليجة والحلويات وحتى لحوم الأضاحي والطرشي وغيرها”.
وتخبر الحاجة أم حسن (67 عاماً) التي تسكن في بغداد أن “أيام عيد الأضحى تمر بصعوبة على شريحتين من المجتمع، الأولى من لم تسنح لها فرصة الحج إلى بيت الله الحرام، والثانية تلك التي فقدت أحباباً. وتصبح هذه الأيام بالتالي قاسية رغم الفرح الذي يعمّ الأجواء، ورؤية الأطفال يركضون ويلعبون مرتدين ملابس جديدة. كما غادر أحبة لنا العراق، وهم في الغربة ويصعب أن نلقاهم، وهذا أمر صعب علينا وعليهم أيضاً”، علماً أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت التلاقي ممكناً حتى عبر العالم الافتراضي، لكن لا يمكن أن يعوّض شيء الأحاسيس السابقة للزيارات الحقيقية، وتبادل التهاني والهدايا والمعايدات بين الناس”.