العلاقات الاسرائيلية الاوكرانية
بعد أشهر من المراوغة، ظهر العمل “الإسرائيلي” المتعدد الابعاد داخل أوكرانيا، وكشف عن تورط “إسرائيل” منذ بداية الحرب الاوكرانية بتفاصيلها المملة.
اللافت حالياً أنّ ما أصبح اليوم شبه علني في العلاقات “الإسرائيلية” الأوكرانية، كان منذ البداية بنفس الوتيرة الجارية الآن، بل يكاد يجزم بعض الخبراء الصهاينة، أن مسار التعاون الاوكراني “الإسرائيلي” الذي كان كبيراً منذ البداية، آخذ بالتطور الآن بشكل ثابت.
وتعود أسباب الاخفاء في بداية الحرب “للإسرائيليين” أنفسهم، “فإسرائيل” التي اضطرت إلى تحييد روسيا لسبع سنوات عن معركتها بين الحروب في سوريا، ترى نفسها اليوم بعد انشغال روسيا بأوكرانيا، مطلقة اليدين، إلا أنها تستمر في العمل بنسبة أقل من السرية ضد روسيا، بسبب خشيتها من موسكو القادرة على تأديبها سريعاً، من خلال بعض أسلحتها الكاسرة للتوازن التي قد تسلّمها لسوريا وحلفائها لتنتقم بالنيابة عن روسيا من أي اجتياز “إسرائيلي” للخط الأحمر مع الجيش الروسي.
أوجه التعاون الأوكراني – “الإسرائيلي”
لقد مثّل التدخل “الإسرائيلي” في أوكرانيا، حالة فريدة للعمل الخارجي “الإسرائيلي” منذ نشأة الكيان عام 1948. فمعظم هذا العمل بات يمارَس في السر بأوكرانيا للأسباب الآنفة الذكر. وتراعي تل أبيب في ذلك، سطوة موسكو وليس صداقتها التي سقطت مع الاختبار الاوكراني، وانكشاف حجم الدور “الإسرائيلي” في الحرب.
ثمة مجالات عديدة وحساسة، يمكن بسهولة رصد التورط “الإسرائيلي” فيها بأوكرانيا، وإذا استثنينا المجال السياسي الذي لا تؤثر فيه “إسرائيل” بفعل وجود دول كبرى هي نفسها تعتمد عليها منذ نشأتها، فإن ثلاث مجالات رئيسية يتعاون فيهما الكيانين الاوكراني و”الإسرائيلي”، وهي التالية:
أولاً في المجال الاقتصادي
-تُعتبر “إسرائيل” من أوائل وأهم الكيانات التي ساهمت في مساعدة أوكرانيا على القضاء على ميزة الغاز الروسي التفاضلية. فبعد قيام العملية الخاصة في أوكرانيا وفرض الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والاتحاد الاوروبي قيوداً على صادرات النفط والغاز من روسيا، رغم اعتراض بعض الدول التي تتأثر بالقطع الفوري للنفط والغاز الروسيين كألمانيا وفرنسا، إلا أن تطبيق القطع بحذافيره مكّن لدول وكيانات خارج المنطقة من سد بعض الفراغ وعلى رأسها “إسرائيل”، التي باتت تصدّر 75 % من نفطها وغازها إلى أوروبا، ومن خلال علاقتها مع الامارات، نفّذت أسلوباً تحايلياً يحمي الامارات من أي مساءلة روسية، عبر فتح موانئ التصدير “الإسرائيلية” للنفط والغاز الاماراتي، بما نسبته 8-10 % من احتياجات أوروبا، وهذا التدبير “الإسرائيلي” إن دلّ على شيء، فإنه يدل على حجم التورط “الإسرائيلي” لمصلحة أوكرانيا وضد مصلحة واقتصاد وسيا.
-يقوم تجار وشركات “إسرائيلية” بترويج وبيع الحبوب الاوكرانية في العالم (الهند – جنوب افريقيا – كولومبيا وغيرها)، وتقاسم عائدات ربحها مع الحكومة الاوكرانية.
-يتولى القطاع المصرفي “الإسرائيلي” تشغيل قسم من أموال اوكرانيا في الخارج، وخاصة في الشرق الاوسط وامريكا وكندا.
ثانياً: في المجال العسكري
-ترسل “إسرائيل” بشكل مباشر أو بالواسطة، كل ما تحتاجه أوكرانيا من منظومات دفاع بري وذخائر وأدوات حرب إلكترونية، تمررها تارة عبر بولندا وتارة أخرى عبر المانيا، وثالثة عبر الولايات المتحدة كسلاح امريكي. زوّدت “إسرائيل” أوكرانيا:
– برادارات بحرية وجوية تُمكنها من رصد وتعقب الطائرات الروسية.
-براءة اختراع مسيرات “هاربي” الانتحارية، وباتت 70% من مراحل انتاج المسيرة “الإسرائيلية” القاتلة، تُصنع ضمن خط صناعي أوكراني.
-أنظمة رصد وتجسس يمكنها التنصت على المكالمات الروسية العسكرية، وقد استطاعت أوكرانيا استخدام هذه التقنيات “الإسرائيلية”، في كشف عدد من محاولات الانزال الجوي الروسي، كما مكنتها من رصد وتعقب كبار القادة العسكريين الروس واستهدافهم بشكل مباشر، ففي الشهر الأول من الحرب، مكّنت المعلومات “الإسرائيلية” الفورية أوكرانيا، من كشف عمليات رئيسية روسية قبل انطلاقها، وتحييد العشرات من الجنرالات والضباط أو أسر آخرين (اغتيال 7 جنرالات روس في قلب المعركة في الشهرين الاولين للحرب والتي تفاخر الناتو أنها جاءت من مصدر تنصت إلكتروني).
-مدربين في اختصاصات عدّة منها، سلاح الطيران الحربي المأهول والمسير وسلاح المدرعات وسلاحي الاشارة والحرب الالكترونية، وتولى طيارون “إسرائيليون” تدريب طواقم طياري الجيش الاوكراني على طائرات الـ F16، المتوقع استخدامها قريباً من قبل أوكرانيا، كما درّب متخصصون في مدرسة المدرعات “الإسرائيلية”، مئات الأطقم الاوكرانية على الدبابة الالمانية ليوبارد 2 الشبيهة جداً من الداخل بالميركافا 3، وثمة معلومات أكدتها مصادر الناتو أن “إسرائيل”، زوّدت مؤخراً الناتو بدبابات ميركافا وعربات النمر العسكرية (التي تختلف عن مصفحة النمر التي تستعمل في المدن).
ثالثاً: في المجال الاستخباري
-ساعدت “إسرائيل” أوكرانيا، في المجالات الامنية والاستخبارية عبر جهازيها الامنيين الأقوى، وهما الاستخبارات العسكرية “الآمان”، وجهاز العمليات الخارجية السرية “الموساد”، حيث ظهرت آثار هذا التعاون ميدانياً في أساليب وجمع المعلومات واستثمارها، فضلاً عن العمليات في العمق الروسي وبدون بصمة، حيث أن جميعها يبدو من توقيع واحد “الموساد”، وذلك من خلال استخدام عدد كبير من الرصاصات لاغتيال ناشطين روس. وبمقارنة بسيطة بين هذه الاغتيالات والاغتيالات التي حصل في نفس الفترة الزمنية في الضفة الغربية، نجد نمطاً متشابهاً جداً في كيفية تصفية الناشط، من حيث الاهداف القاتلة في جسمه (الرأس أو القلب)، والعدد الكبير من الرصاصات التي تُستعمل في محاولات الاغتيال الفردية.
-خدمات كبيرة في مجال السايبر، أهمها نُظم المعلومات المحوْسَبة التي تستعملها الاستخبارات العسكرية الاوكرانية ضد الجيش الروسي.
-ساهمت “إسرائيل” من خلال برنامج بيغاسوس، بالتنصت على هواتف ملايين الاوكرانيين ورصدها، كما مكّنت اوكرانيا حتى الآن من التنصت على عشرات آلاف الهواتف الروسية.
-يعمل خبراء السايبر “الإسرائيليون” منذ الصيف الماضي في أوكرانيا، تحت مظلة رصد منظومات السلاح الايراني المستعملة في العملية الخاصة الروسية، وتتلخص حجة “إسرائيل”، بأن منظومات عديدة زودت بها إيران الجيش الروسي، وهي تعمل الآن في الميدان الاوكراني، وينبغي على الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” دراستها ومراقبتها وهي تعمل في الميدان.
-لكيان العدو قرى إلكترونية في بولندا، يجري استخدامها ضد بلاروسيا، ولديه محطة استطلاع إلكتروني كبيرة في كييف، يجري استخدامها لمصلحة اوكرانيا أيضًا.
-هناك تبادل فوري ومتوسط وبعيد الامد للمعلومات الاستخبارية بين الطرفين “الإسرائيلي” والأوكراني، وتُستثمر هذه المعلومات المتبادلة في الحرب الأوكرانية، كما تُستخدم هذه المعلومات من خلال اطلاع الجيش “الإسرائيلي” على نشاطات كل من إيران وحزب الله في سوريا ولبنان وإيران، فضلاً عن حركة تزويد إيران وحزب الله بمنظومات الاسلحة الروسية الجديدة، وهذا يعتبر بشكل غير مباشر عمل مؤذٍ لروسيا.
مستقبل التعاون الاوكراني – “الإسرائيلي”
قد يكون من نافل القول، أن مستوى العلاقات “الإسرائيلية” الاوكرانية قطع بعد العملية الخاصة أشواطاً كبيرة بفعل عوامل عديدة أهمها:
-التماثل في الاسلحة المستعملة في هذه الحرب، فكِلا الكيانين يواجهان سلاحاً وخططاً روسية، إن كان في منطقة الشرق الأوسط أو في منطقة شرق أوراسيا.
-التماثل في العقيدة الأمنية، حيث أن كِلا الكيانين يعتمدان على التفوق الاستخباري وعلى التعاون الرئيسي مع أجهزة الاستخبارات الامريكية والبريطانية.
-التماثل في حدود وقدرات الكيانين، الذين يعتمدان على الولايات المتحدة، والذين يخضعان استراتيجياً إلى مبادرات واشنطن الاستراتيجية في أوراسيا والشرق الأوسط.
-التماثل بل التطابق في العمليات النفسية “الإسرائيلية” والاوكرانية، فكِلا المدرستين تنطلقان من عقيدة واحدة في مجال العمليات النفسية والحروب النفسية المصاحبة.
-التماثل في إعداد أفراد القوات المسلحة وفق عقيدة التفوق على الآخر.
-التماثل في العمليات الإلكترونية وعمليات السايبر الموجهة إلى الخصم، والتي تعتمد على التكنولوجيا الامريكية.
لذا، فإن هذه المشتركات بين الكيانين، تدفع إلى بناء تحالف فريد من نوعه، يجعل من أوكرانيا التي يسميها غلاة “الإسرائيليين” (إسرائيل الجديدة)، رديفاً “لإسرائيل” القديمة، وتُلزم “إسرائيل” القديمة، أن تحتضن شريكتها في معاداة الخصم المباشر روسيا، الذي بان من خلال التصرف “الإسرائيلي” بعد بداية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أنه بات يختلف كثيراً عن التصرف “الإسرائيلي” تجاه روسيا خلال التدخل الروسي في الحرب السورية، والتي كان الطرفان يقيسان خطواتهما كلٌّ تجاه الآخر بالمليمتر.
مما تقدم، يبدو أن العلاقات العسكرية والامنية بين “إسرائيل” واوكرانيا الآن في أوجها، رغم أن معظمها لا يظهر في الاعلام، إلاّ أنها تظهر بوضوح في بعض الاماكن في طرائق قتال وسلوك العمل الامني الاوكراني، التي تؤكد كل المؤشرات أنها تحمل البصمة “الإسرائيلية”.
وفي هذا المجال، ينبغي التأكيد أن أفق العلاقات “الإسرائيلية” – الأوكرانية، مفتوح ومرشح للتطور أكثر في المستقبل، حيث أن كل ما اسلفناه هي مؤشرات على علاقات عضوية بين الكيانين.