عُرف كيان الاحتلال بلجوئه إلى التصعيد العسكري للهروب من التحديات السياسية والأمنية التي يواجهها والتي قد تُنتج انقساماً داخلياً. في حين، كشف العدوان المستمر على غزة، ان تلك الاستراتيجية باتت تفقد فعاليتها تباعاً، في ظل فشل المسؤولين السياسيين بضبط الشارع الإسرائيلي الذي يشهد انقساماً حاداً بين مؤيدين لإلغاء التظاهرات، وبين المتمسكين بالمضي بها على الرغم من وابل الصواريخ الذي اتسعت رقعته لتصل إلى تل أبيب والقدس.
أعلن منظمو التظاهرات ضد “الإصلاح القضائي”، في كابلان-تل أبيب، أن المظاهرة التي كانت مقررة اليوم السبت، ستؤجل إلى الأسبوع المقبل، بسبب الوضع الأمني. وقال أحد كبار المسؤولين عن الحملة الاحتجاجية: “تحدثنا مع قيادة الجبهة الداخلية، وأخبرونا أن حياة المتظاهرين في خطر”. مؤكدين على استئنافها في “أيام أكثر هدوءاً”. من جهة أخرى، قال نشطاء آخرون انهم سينظمون مسيرة مساء السبت في تل أبيب “على أي حال”.
وبحسب صحيفة يسرائيل هيوم، فإن إلغاء المظاهرة في تل أبيب للأسبوع الـ19 على التوالي لم يحظ بإجماع بين النشطاء. اذ يعارض العديد من المتظاهرين الذين ليسوا في مواقع صنع القرار في منظمة الأعلام السوداء الإلغاء.
من جهتها، غرّدت منظمة “الثورة الإسرائيلية” الاحتجاجية: “لا يوجد حظر على التجمعات في تل أبيب – غداً ستكون قاعات المسرح ممتلئة، حفل ليلة السبت سيكون ممتلئاً، وكذلك الحفلات والشواطئ أيضاً، فلماذا سيتم إلغاء المظاهرة في كابلان فقط؟”. ويشير هؤلاء، إلى ان الذين حضروا حفل أفيف جيفن، البالغ عددهم 40 ألف شخص، كانوا قد تلقوا تعليمات بالاستلقاء على الأرض في حالة حدوث إنذار.
وبالتوازي، نشرت دعوات للقدوم “بقوة” لوسط تل أبيب ليكونوا بمثابة “قبة حديدية للديمقراطية”. ودعت عدة منظمات، بما في ذلك “وزير الصرخة” و”نقف معاً” و”الجبهة الوردية”، المتظاهرين إلى القدوم إلى تل أبيب، على الرغم من أنه لن تكون هناك منصة في شارع كابلان ولا خطابات، كما هو الحال في كل يوم سبت.
وأعلنت حملة “نقف معاً” عن مسيرة ستقام في تل أبيب ضد “التصعيد العسكري في غزة الذي بدأته الحكومة”، على حد تعبيرهم. قالوا إن المسيرة ستعقد في الساعة 18:30 مساء في ميدان هابيما، ومن هناك ستسير إلى شارع كابلان. وقالت الجبهة الوردية: “نحن نتظاهر ونستمر بكل قوتنا. لقد ألغوا المسرح فقط”.
واعتبرت صحيفة هآرتس العبرية في افتتاحيتها، ان “الهجوم على غزة كان حتمياً في اللحظة التي بدأ فيها الجناح الأيمن للحكومة، ولا سيما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بممارسة ضغوط سياسية على بنيامين نتنياهو. رئيس الوزراء حصد فائدة مزدوجة من القتال: فقد خفف التوترات المتزايدة داخل الائتلاف وصرف انتباه الجمهور عن الإصلاح القضائي. وتجدر الإشارة إلى أن رفض جنود الاحتياط الحضور إلى الخدمة أثبت أنه أحد أقوى أدوات الحركة الاحتجاجية”.
وتقول الصحيفة ان “الحملة على غزة قد طغت على تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن الإصلاح القضائي سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، فضلا عن الجدل حول أموال التحالف المخصصة للمستوطنات والحريديم. الإسرائيليون مشغولون جدا بالركض إلى الملاجئ”.
وتضيف “لا يمكنهم السماح لما يحدث في غزة بإسكات الحملة ضد الإصلاح القضائي. بدلاً من “الهدوء، نحن نطلق النار”، يجب هز شارع كابلان بصوت أعلى من أي وقت مضى”.
قد يكون تجمع المستوطنين في شوارع تل أبيب الليلة خجولاً وعلى خلاف المعتاد. إلا ان ما تقدمه هذه الفعاليات من مؤشرات يعني الدخول بمرحلة جديدة: الشارع الإسرائيلي أصبح أكثر جرأة امام قياداته ومسؤوليه وقد أصبح ضبطه أكثر صعوبة ولم تعد إستراتيجية الدفع نحو التصعيد العسكري مخرجاً للأزمة.