دلالات وأبعاد إستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية

مقعد سوريا في جامعة الدول العربية

تبقى الأنظار شاخصة نحو سوريا، من خلال رصد وتتبع وسائل الإعلام والأوساط الدبلوماسية وقائع وتفاصيل زيارات الوفود العربية والإسلامية إلى دمشق، والتي تسارعت وتيرتها بشكل كبير عقب الاتفاق السعودي الإيراني برعاية بكين، فكان أن حل وزيرا خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان والسعودية فيصل بن فرحان ضيوفا على قصر الشعب، ليختتم الأسبوع الأخير بحدثين كبيرين: الأول زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، والثاني اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمان واتخاذهم قرارا بالعودة عن قرار جامعة الدول العربية الذي اتخذوه عام 2011 بتعليق عضوية سوريا في الجامعة، ما سيمهد الطريق أمام مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية المقبلة في التاسع عشر من الشهر الجاري في مدينة جدة السعودية.
قرار الجامعة العربية الذي كان متوقعا ومنتظرا منذ مدة طويلة، شكل اعترافا بخطيئة عربية تاريخية متمادية ارتكبت بحق سوريا على مدى 12 عاما، لكون قرار تعليق عضويتها أتخذ حينها بشكل غير قانوني ومخالف لميثاق الجامعة ونظامها الداخلي:
– أولا- لكون القرار صدر حينها بموافقة 18 دولة فقط واعتراض ثلاث دول هي سورية ولبنان واليمن وامتناع العراق عن التصويت، وبمعنى آخر فإنه صدر دون إجماع عليه كما ينص ميثاق الجامعة العربية.
– ثانيا- لكون تعليق عضوية سوريا في الجامعة شكل تدخلا عربيا سافرا في شؤون دولة عربية ذات سيادة مستقلة وهو ما لا يجيزه ميثاق الجامعة العربية نفسه.
غير أن قرار التراجع عن الخطيئة العربية التاريخية باستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية الذي اتخذ مؤخرا، وإن عد فضيلة، فإنه يحمل في طياته معاني ودلالات كبرى، وله انعكاسات إيجابية على سوريا أولا، وأزمات المنطقة ككل ثانيا، وعلى الصراع المتواصل مع العدو “الإسرائيلي” ثالثا، هذا فضلا عن أن هذا القرار العربي ما كان ليكون لولا الصمود السوري حكومة وجيشا وشعبا بمواجهة أكبر وأخطر المؤامرات الدولية عليها، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة عودة عربية للاعتراف بشرعية النظام السوري وسيادته على كامل أراضي بلاده، ولذلك مفاعيل دولية كبيرة منها:
1. إن التسليم بشرعية النظام معناه المقابل رفع الدعم والتمويل عن المعارضين له، وعن الإرهابيين وتسليم هؤلاء للدولة السورية أو حثهم على تسليم سلاحهم والاندماج مجددا في المجتمع السوري قبيل ولوج التسوية السياسية خواتيمها النهائية.
2. القرار العربي يحمل ضمنا في طياته عدم اعتراف بأي وجود عسكري غير شرعي على الأراضي السورية، ما سيكشف القوات الأميركية شرق سوريا، والقوات التركية شمالها، ويضعها في بوتقة النيران المقاومة إن لم تعاجل للانسحاب.
3. قرار عودة سوريا إلى الجامعة يعني إقرار العرب بوحدة الأراضي السورية، وبالتالي عدم الاعتراف بكينونة أي دويلة أو تقسيم أو فدرالية في المناطق الكردية وفي إدلب أو سواها.
4. القرار يعني أيضا عودة سوريا للحضن العربي واستعادتها لدورها الإقليمي التاريخي وبالتالي انتهاء مرحلة العقوبات العربية وكسر العزلة العربية عنها عبر فتح الحدود للتبادل التجاري معها، وبالتالي تحسن الأوضاع الاقتصادية والمالية فيها.
5. يكسر القرار العربي منظومة العقوبات الغربية والأميركية ويجعلها فاقدة لأي مسوغ شرعي، فضلا عن أنه يحولها لعقوبات بدون جدوى جراء تفريغها من محتواها، ما يفقد الغرب أدوات الضغط الفعالة على سوريا ويدفعه لاستبدال سياساته السابقة بمقاربة جديدة قائمة على الحوار والتقارب مع دمشق.
6. شلا شك أن القرار العربي سيدفع أطرافا إقليمية وخصوصا أنقرة للمسارعة بترتيب أوضاعها مع دمشق، وهذا ما كانت مؤشراته قد بدأت تلوح في الأفق، وتأخر ربما بعد سلسلة الهزات والزلازل التي تعرضت لها تركيا وجوارها منذ مدة.

قرار جامعة الدول العربية بعودة سوريا إلى مجلسها، وإن أتى جراء حاجة عربية لسوريا في ملفات إقليمية وأمنية معينة، وبعد يأس من إركاعها وإخضاعها بالسبل الإرهابية العسكرية، لا شك أنه سيترجم من خلال الزيارات المتبادلة، وعودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدان والدول العربية وسوريا على أكمل أوجهها، ومن خلال مساهمة الدول العربية في تمويل إعادة إعمار سوريا، والعودة إلى تعزيز العمل العربي المشترك وحل مشاكل المنطقة من خلال تنسيق الجهود العربية بعيدا عن التدخلات الدولية.
ومما لا شك أيضا فيه أن الانفتاح العربي على سوريا سيترجم وسينعكس على ملفات شائكة متصلة، منها أزمة النازحين السوريين في الدول المجاورة لسوريا، ومنها الاستحقاق الرئاسي اللبناني فكلما خطى التقارب الإقليمي من سوريا أكثر فأكثر كلما عادت معادلة “السين سين” لتحكم الاستحقاقات والواقع اللبناني من جديد.
وعلى أهمية هذا القرار لسوريا والعرب فإنه يؤشر في الوقت ذاته إلى تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة عموما وسوريا خصوصا، ويعطي مؤشر إلى مسار توجه الأمور مستقبلا، ومن هنا تبرز واشنطن ومعها “تل أبيب” بأنهما الخاسرتان الوحيدتان من العودة السورية إلى الحضن العربي، وهو ما لم تخفه الخارجية الأميركية التي استعجلت الرد ببيان أبدت فيه امتعاضها مما حصل، وعبرت عن وجهة نظرها القائلة إنه من المبكر العودة السورية إلى الجامعة العربية.
أما الخاسر الثاني “إسرائيل” فواضح أنها تخشى من عودة سوريا إلى سابق عهدها المعروف بالمواقف الداعمة للمقاومة، ما سيعزز بالتالي قوة دمشق على جبهة الممانعة وسيعيدها رقما اقليميا ودوليا صعبا ، بعدما انشغلت لسنوات طوال بترتيب بيتها الداخلي، كما سيوفر حاضنة عربية لسوريا بحال تعرضها لاعتداءات عسكرية “إسرائيلية” جديدة.
في المحصلة، أسبوع واحد تخلله حدثان بارزان هما زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق وعودة الجامعة العربية عن قرارها الخاطئ عام 2011 بتعليق عضوية سوريا، كانا كفيلين بحسم الأمر لدى المشككين إذا كان ثمة مشككون بعد، بانتصار سوريا على الحرب الكونية. حدثان أعلنا رسميا عودة سوريا أقوى أمام شعبها بعدما نجحت رهاناتها وفشلت رهانات الآخرين، فتهافتوا لزيارتها واستعادة خط رجعة العلاقات معها، كما جعلاها أشد عودا في الإقليم من خلال التضامن العربي والإسلامي حولها، وأشرس بمواجهة العدو الصهيوني الغاصب الذي حاول استغلال الضياع العربي الذي كان المساهم الأكبر فيه لانتزاع القدس عاصمة أبدية له وتحويل الجولان من أراض محتلة إلى أراض ذات سيادة “إسرائيلية” بالاستناد إلى توقيع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قرارا بذلك نهاية شهر آذار 2019.

شاهد أيضاً

وزارة الداخلية : إصدار أحكام الإعدام بحق (82) تاجر مخدرات في العراق

كشفت وزارة الداخلية تفاصيل عملية الردع الرابعة الخاصة بمكافحة المخدرات والتي أطاحت بـ116 متاجرا دوليا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *