أكدت دراستان منفصلتان أن تناوُل الأطعمة الصحية التي تعتمد على مكونات نباتية بشكل أساسي يُعد أمرًا مفيدًا لصحة القلب في مختلف الأعمار.
اعتمدت الدراستان -اللتان نشرتهما دورية “جورنال أوف ذي أمريكان هارت أسوسيشن” (Journal of the American Heart Association)- على تحليل المقاييس المختلفة لاستهلاك الأغذية الصحية النباتية.
وتقترح توصيات جمعية القلب الأمريكية للنظام الغذائي ونمط الحياة الاعتماد على نظام غذائي صحي شامل، يتضمن مجموعةً متنوعةً من الفواكه، والخضراوات، والحبوب الكاملة، ومنتجات الألبان قليلة الدسم، والدواجن منزوعة الجلد، والأسماك، والمكسرات، والبقوليات، إضافةً إلى الزيوت النباتية غير الاستوائية، كما تنصح باستهلاك كميات محدودة من الدهون المشبعة، والدهون المتحولة، والصوديوم، واللحوم الحمراء، والحلويات، والمشروبات السكرية.
ووجد الباحثون أن كلًّا من الشباب والنساء بعد سن اليأس يكونون أقل تعرضًا للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عندما يتناولون مزيدًا من الأطعمة الصحية بمكونات نباتية.
الدراسة الأولى -التي حملت عنوان “النظام الغذائي المرتكز على النبات ومخاطر الإصابة بأمراض القلب خلال فترة المراهقة حتى منتصف الشباب”- استندت إلى تقييم ما إذا كان استهلاك نظام غذائي يعتمد على النبات، على المدى الطويل، أو التحول إلى نظام غذائي نباتي في بداية مرحلة الشباب، مرتبطًا بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب في منتصف العمر.
اعتمد الباحثون على تقييم النظام الغذائي ومعدل الإصابة بأمراض القلب لدى 4946 من البالغين المسجلين في دراسة تطور مخاطر الشريان التاجي لدى الشباب (CARDIA)، وتراوحت أعمار المشاركين بين 18 و30 سنة وقت التسجيل في هذه الدراسة عام 1985/ 1986، وكانوا لا يعانون من أي أمراض في القلب أو الأوعية الدموية في ذلك الوقت.
تضمنت القائمة 2509 مشاركين من البالغين السود، و2437 من البالغين البيض، كما شملت نسبة 54.9% من النساء بشكل عام، وجرى أيضًا تصنيف المشاركين وفق مستوى التعليم.
خضع المشاركون لثمانية اختبارات للمتابعة خلال الفترة من 1987/ 1988 إلى 2015/ 2016، تضمنت اختبارات معملية، وقياسات بدنية، والتاريخ الطبي، وتقييم عوامل أنماط الحياة، وعلى عكس التجارب العشوائية المنضبطة، لم يُطلب من المشاركين تناول أطعمة بعينها، ولم يُبلغوا بنتائجهم في مقاييس النظام الغذائي، وهو الأمر الذي ساعد الباحثين على جمع بيانات نظام غذائي معتاد وغير متحيز على المدى الطويل.
بعد مقابلات مفصلة حول تاريخ النظام الغذائي، تم تسجيل مستويات جودة وجبات المشاركين بناءً على نقاط جودة النظام الغذائي، المكونة من 46 مجموعةً غذائية، في 3 مراحل زمنية، تشمل سنة ما قبل الدراسة، والسنة السابعة، ثم السنة الـ20 من الدراسة.
وجرى تصنيف المجموعات الغذائية بناءً على ارتباطها بأمراض القلب والأوعية الدموية، إلى 3 أنواع: الأول يشمل الأطعمة المفيدة، مثل الفواكه والخضراوات والفاصوليا والمكسرات والحبوب الكاملة، والثاني يضم الأطعمة الضارة، مثل البطاطس المقلية واللحوم الحمراء عالية الدسم والوجبات الخفيفة المملحة والمعجنات والمشروبات الغازية، والنوع الثالث وهو الأطعمة المحايدة، مثل البطاطس والحبوب واللحوم الخالية من الدهون والمحاريات.
وخلص الباحثون إلى مجموعة من النتائج، منها أنه خلال سنوات المتابعة، أصيب 289 شخصًا من المشاركين بأمراض القلب والأوعية الدموية (وتشمل النوبات القلبية، والجلطات، وفشل القلب، وألم الصدر المرتبط بالقلب، أو انسداد الشرايين في أي مكان من الجسم)، كما أن الأشخاص الذين جرى تسجيلهم ضمن أعلى 20% في درجة جودة النظام الغذائي على المدى الطويل، أي الذين تناولوا أغذيةً نباتيةً غنيةً وعددًا أقل من المنتجات الحيوانية، كانوا أقل تعرضًا للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 52%.
أما المشاركون الذين قاموا بتحسين جودة نظامهم الغذائي عن طريق تناول أطعمة نباتية أكثر فائدة، خلال السنة السابعة والسنة الـ20 من الدراسة، فكانت احتمالية تطور أمراض القلب لديهم أقل بنسبة 61% مقارنةً بالمشاركين الذين انخفضت جودة نظامهم الغذائي بشكل أكبر خلال الفترة نفسها.
يشير ديفيد إي جاكوبس -أستاذ الصحة العامة في جامعة مينيسوتا، والمؤلف الأول للدراسة- إلى أن الدراسة تقوم على الملحوظات، وبالتالي فلا يمكن الاعتماد عليها في إثبات وجود علاقة السبب والنتيجة بين النظام الغذائي وأمراض القلب.
يضيف “جاكوبس” في تصريحات لـ”للعلم”: مسألة العلاقة السببية أصعب بكثير مما تبدو، ولا يمكن لأي دراسة تقوم على الملاحظة أن تثبت وجود علاقة سببية، ومن المربك للقراء القول إن أي دراسة معينة بإمكانها إثبات العلاقة السببية.
ومع ذلك، يؤكد جاكوبس: “استنادًا إلى نتائج دراستنا، وإلى جميع البيانات الأخرى التي أعرفها، يمكنني القول إن تناول نظام غذائي صحي يعتمد على الأطعمة النباتية الغنية يقلل من مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة”.
ويرى أستاذ الصحة العامة أن تقليل المخاطر لا يضمن بالضرورة عدم الإصابة بالمرض، ويضرب مثلًا افتراضيًّا لتوضيح ذلك بقوله: “إن اتباع 100 شخص لنظام غذائي منخفض المخاطر قد يؤدي إلى ظهور 5 حالات إصابة بمرض مزمن بينهم، أما في حالة اتباع 100 شخص لنظام غذائي عالي الخطورة، فقد يؤدي ذلك إلى ظهور 15 حالة إصابة بالمرض”.
أما الدراسة الثانية، فجاءت بعنوان “العلاقة بين الحافظة الغذائية النباتية ومخاطر الإصابة بأمراض القلب؛ إذ اعتمد الباحثون بقيادة سيمين ليو -أستاذ الطب والجراحة بكلية الصحة العامة في جامعة براون- على تقييم هل ترتبط الأنظمة الغذائية التي تعتمد على أطعمة نباتية بانخفاض حالات الإصابة بأمراض القلب في مجموعة كبيرة من النساء بعد سن اليأس، أم لا.
شملت الدراسة 123 ألفًا و330 سيدةً من المشاركات في مبادرة صحة المرأة، وهي دراسة وطنية طويلة الأمد، للبحث في عوامل الخطر والوقاية والكشف المبكر عن الحالات الصحية الخطرة لدى النساء بعد سن اليأس، إذ عمل الباحثون على تقييم ما إذا كانت السيدات في هذه المرحلة العمرية، اللائي اتبعن نظامًا غذائيًّا يعتمد الحافظة الغذائية النباتية، قد تعرضن لأمراض قلبية بمعدلات أقل.
عند بداية التسجيل بالدراسة بين عامي 1993 و1998، تراوحت أعمار المشاركات بين 50 و79 سنة، بمتوسط عمر 62 سنة، ولم يكنَّ مصابات بأمراض القلب والأوعية الدموية، وعمل الباحثون على متابعة مجموعة الدراسة حتى عام 2017، لتقييم مدى التزام كل سيدة على حدة بنظام الحافظة الغذائية النباتية، وفق بيانات التردد الغذائي، التي يجري الإبلاغ عنها ذاتيًّا.
وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج، منها أن المشاركات اللاتي التزمن باتباع حمية الحافظة النباتية كنَّ أقل تعرضًا للإصابة بأي نوع من أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 11%، وأقل تعرضًا للإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 14%، وأقل تعرضًا للإصابة بفشل القلب بنسبة 17%، مقارنةً بالمشاركات اللائي اتبعن حمية الحافظة بصورة أقل تكرارًا.
ورغم أن الدراسة، مثل سابقتها، تقوم على الملاحظة، ولا يمكن الاستناد إليها في إثبات علاقة سببية بين النظام الغذائي والإصابة بأمراض القلب، إلا أن الباحثين يرون أنها توفر تقييمًا أكثر مصداقيةً للعلاقة بين الغذاء والقلب حتى الآن.
انتهى م4