لماذا الضفة درع القدس؟

محمد جرادات||

استحقَّت الضفة الغربية درعها المتوج بدماء 98 شهيداً منذ بداية هذا العام الاستثنائي، كاستحقاق للواجب العينيّ في التصدي لفريضة الوقت.

جبهة الضفة الغربية المتقدمة في ميادين محور المقاومة، الممتدة عبر وحدة الساحات وتكاتف الجبهات، تم تتويجها هذا العام في يوم القدس العالمي، لتكون رأس حربة في مخاض التحوّلات الكبرى نحو القدس، وهي تئن من قمع المعتكفين المرابطين في ليل الأقصى الحزين.

استحقَّت الضفة درعها المتوج بدماء 98 شهيداً منذ بداية هذا العام الاستثنائي، كاستحقاق للواجب العينيّ في التصدي لفريضة الوقت، بما تجاوز اندفاع أهل الضفة بعشرات الآلاف للصلاة في ليالي الأقصى وأيام الجمعة فيه، رغم المنع الإسرائيلي والاشتراطات التعجيزية لمن يسمح له، إلى تصدي شباب الضفة للاستباحة الإسرائيلية لحرمة القدس بمهاجمة كلّ حواجز “الجيش” العبري العسكرية التي تحول بين الضفة وتكحيل عيون أهلها برؤية ساحات المسجد الأقصى والنظر عبر تاريخه العميق في حقنا الإسلاميّ المسلوب.

أطلق جميل العموري فريضة الاشتباك في مواجهة الاستباحة العبرية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، واندفع خلفه آلاف الشباب في مشاغلة لا تنقطع لهذا العبري، حتى أشعلوا بدمهم الزكيّ مرابض الاشتباك على مستوى القضية برمتها، وخصوصاً أن القدس تستعيد دورها بإقدام شبابها وفتيانها على الثأر لمجازر المحتلين في جنين ونابلس، فكان عدي التميمي وخيري علقم وحسين قراقع وطليعة متقدمة من الاستشهاديين الأفذاذ الذين احتضنوا تضحيات الضفة وأوقدوا في قناديل القدس زيت الانتقام، وكان هذا التلاحم الفلسطيني العجيب.

بين طلقة وطلقة، وبين شهيد وشهيد، تطرز درع الضفة، وتماسكت لبناته، وهرعت غزة في آب/أغسطس الماضي لتنسج خيوط الساحات الممتدة من جنين حتى رفح، ومن عرابة حتى الشجاعية. أطلقت سرايا غزة معركتها ثأراً لاستباحة جنين، وأقامت قائمة الكيان وهي تضحي باثنين من قادتها وعشرات من أبنائها، فانطلق مشروع الساحات، وإن بتعثر، في وقت لم تختمر بيئته في وعي بعض أطراف القضية.

منذ عامين، ظلت الضفة العنوان المشترك في كل حدث وميدان، منذ حومش وعمليتها الطلائعية التي أوقدت بتضحية شباب الحارثية شعلة النور في أتون الطريق، فلا طريق مفتوحة للفلسطيني إلا طريق استعادة الكرامة المسلوبة، والكرامة لقمة مغمسة بالدم والعرق والتضحية. عزفت على وتر الرصاص، فاستحقت درعها في جبين القدس الطاهر.

تشابكت هموم الضفة، فيما المحتل يجيّش ضد كتائبها وعرينها نصف جيشه ووحداته الخاصة ليخضعها فتعود إلى الغرق في مستنقع أسواق تجارتها وأزماتها وثنائية السلطة والانقسام، ولكن محمود العارضة قاد كتيبة خاصة خرق فيها أضلاع جبال جلبوع، وحطّم أصول بنية سجنها الاسمنتية الفولاذية، وخرج مع زكريا الزبيدي ومحمد العارضة وأيهم كممجي ومناضل نفيعات ويعقوب قادري، ليعانقوا وهج الحرية في جبال الناصرة ومرج بن عامر، فأطلقوا صهيل خيول الضفة المندفعة نحو الشمس أو هي الشهادة التي يبايع عليها شباب الكتيبة مع كل فوج يلتحق بالركب المقدس.

هو درع في تاج القدس، ولكنه مطرز بالرماح المندفعة أو المنغرزة في صدر العدو، ليتحوّل إلى الأحمر القاني المخضّب بدم فتيته، كما دم المحتلين وهم يلوثون هواء الضفة ويستوطنون ترابها الذي بارك الله فيه وحوَّله من سيناء حتى دمشق، ومن النبطية حتى سواحل البحر الأحمر، فكانت البركة الربانية حافزاً جهادياً للاشتباك والمراغمة وسط محور يتحفز ويتشكَّل للمواجهة الحتمية.

امتازت الضفّة عبر أغوارها الحمراء عن بقية حلقات المحور الفولاذية وساحاته التي تتحد دفاعاً عن المعتكفين المظلومين. وقد انهالت صواريخ جبل عامل المقدسة عبر هزيع المطلة ونهاريا، وتعانقت معها صواريخ غزة، ليكتمل طوق النار هناك في الجولان السوري المحتل، وقد اشتعلت قمم ثلوجه بالنور الآتي من صمود دمشق الأسطوري.

أجمع المحور على الضفّة في هجومها المتحفّز لتكون كتيبة التحرير المقبل بإذن الله، فكانت درعاً أو هي مخالب تنغرز في قلب المحتل، وهو تتويج في يوم القدس العالمي المفعم هذا العام بمذاق الجبهات، وهي تتجاوز دول الطوق حتى الهلال الخصيب، هناك في بغداد، وهي تحتضن قائد الاشتباك في الضفة الحاج زياد النخالة وإخوانه في قيادة الجهاد الإسلامي، ليستعيد العراق دوره القيادي على مستوى الأمة.

تشابكت خيوط الضفة في مشهد توحّدها خلف القدس، فانخرطت كل فصائل المقاومة في عرين الأسود، وهرع حتى شيوخها للدفاع عن ملحمية دورها، فكان ثأر حوارة والشيخ عبد الفتاح خروشة بطل القسام، وهو يضع نقاط وجع الضفة فوق حروف همّ القدس المتجدد، لتتحول حوارة السكينة المسالمة إلى بؤرة للاشتعال المتوقد كأنها ساحة متقدمة لمخيمات جنين وعسكر وشعفاط.

في يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الخميني، والذي يرعاه السيد علي خامنئي بحبّات عينيه، وهو يتابع شأن فلسطين من قدسها حتى جنينها، تتكاتف الأمة مع أحرار العالم لرفع شأن مظلومية هذا الشعب وقد طال في ليل الظالمين.

وهناك في ألف مدينة وبلدة إيرانية يزحف الشعب نحو الشوارع لاحتضان القدس، كما صنعاء المنتصرة، حتى الضاحية أصل الحكاية في مسار المقاومة. يلتحمون كلوحة مسيجة بالحنّاء المجبول بعبق غار حراء أو صحراء الطف، ليزيّنوا وجه المرحلة المقبلة وهي تتّشح بكل ألوان الطيف في كل الساحات المتوحدة، حتى لحظة المواجهة الحتمية والمعركة الشاملة أو هي القيامة الصغرى وقد أزف بريق صعودها.

 

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

article@ghadeertv.netal

شاهد أيضاً

صداقات العالم الافتراضي وتأثيرها على الواقع..!

بدر جاسم ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *