الجهاد الاسلامي في بغداد: الرسائل والأبعاد

الكاتب: مروة ناصر

من العاصمة العراقية بغداد، ألقى الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين زياد النخالة كلمته بمناسبة يوم القدس العالمي، الذي أحياه محور المقاومة في ساحاته كافّة وسط فعاليات مميّزة هذا العام وحشد جماهيري كبير. لم تكن المشاركة في ” المؤتمر الدولي الرابع ليوم القدس العالمي” هو ما حضره لأجله فقط النخالة، بل إنّ الأخير لبّى دعوة عراقية رسمية، لها أبعادها على مستويات ثلاث: تثبيت موقف بغداد سياسيًا وعسكريًا على مستوى الفصائل، وحدة الساحات وخاصة بالنسبة “للجهاد الاسلامي”، إحباط مشاريع أعداء العراق وفلسطين.

أولًا: العراق قيادة وشعبًا الى جانب فلسطين

التقى النخالة بالرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي أكّد “على دعم الشعب الفلسطيني في كل المحافل والمجالات، ووقوف العراق قيادةً وشعباً إلى جانبه في مسعاه لنيل حقوقه وحريته، وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس”. وفي اجتماع آخر، التقى النخالة برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي شدّد على أنه ” الرغم من كل الجهود التي بُذلت من أجل صرف العراق عن قضايا أمته العربية، إلا أن الدولة العراقية وقواها السياسية والمجتمعية قد استعادت راهناً قوتها ووحدة مكوناتها، ولم تتخلَّ عن القضية المركزية الفلسطينية”.

فيما قدّم النخالة للرشيد والسوداني شرحاً وافياً لواقع القضية الفلسطينية ومستجداتها، لا سيما ممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في المسجد الأقصى والضفة الغربية، وواقع التهويد والاستيطان، الى جانب عرضه للرئيسين آخر تطورات قدرات المقاومة الفلسطينية، وجهوزيتها للدفاع عن شعبها.

هذا الاهتمام العراقي بآخر تطورات الساحة الفلسطينية، بدا لافتًا وبل منعطفًا مفصليًا في الموقف العراقي الرسمي خاصة في ظلّ توحّد ساحات المقاومة والتقارب العربي والإسلامي من أجل القدس والمعركة ضد كيان الاحتلال.

الفصائل العراقية جزء من محور المقاومة

بالتزامن مع زيارة النخالة وعشية يوم القدس، نشرت حركة النجباء العراقية مقطع فيديو “الأبابيل العراقية آتية”. وفي قراءة للمشاهد، فقد ركّز في البداية على عرض مشاهد اعتداء شرطة الاحتلال على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى واندلاع الاشتباكات، بما يدلّل أن المقاومة العراقية ليست بعيدة عن الأحداث في القدس وهي تراقب ما يجري، و”قبضاتها ثابتة على الأسلحة”. لينتقل الفيديو الى غرفة عمليات عسكرية “للنجباء”، حيث يدرس المجاهدون خريطة فلسطين المحتلّة ويحددون موقعًا للاحتلال عبر الصور الرقمية، بما يعني وجود بنك أهداف واضح ومعلومات استخباراتية وإحداثيات. انطلاقًا من حرب نفسية ومن فهم لمواطن ضعف الاحتلال عبر ذكر “هذه لعنة العقد الثامن”، تصل “الأبابيل العراقية” الى الأهداف المحدّدة ضمن الجبهة الداخلية للاحتلال في إطار الوفاء بالوعد (آتية).

رسالة واضحة بالإنخراط العسكري وتسخير إمكانات المقاومة العراقية في مواجهة الاحتلال وتحرير فلسطين، سبقها فيديو “جاهزون” الذي لم يستثنِ فصيلًا عراقيًا في محاكاته لغرفة عمليات محور المقاومة خلال الحرب الكبرى. وقد أكّد مكتب الإعلام والعلاقات في حركة النجباء العراقية أنّ هذه الحرب أي “سيناريو يوم القيامة” بالنسبة للاحتلال، “ليس عنواناً لإحدى مناورات محور المقاومة، بل عنوان تداوله إعلام العدو يحاكي هجوماً متعدد الجبهات باتجاه الكيان قبل أيام من يوم القدس العالمي”.

وفي منبر القدس، شدّد أمين عام الحركة الشيخ أكرم الكعبي “أننا لسنا بمعزل عن الأحداث التي تجري في فلسطين المحتلة. دعمنا غير محدود وجاهزيتنا تامة من أجل فلسطين”، مباركًا “العمليات التي استهدفت الكيان الصهيوني”. وبدوره أكّد الأمين العام لكتائب سيد الشهداء، أبو آلاء الولائي”أننا جزء من فصائل المقاومة الفلسطينية وهم جزء منّا”.

ثانيًأ: وحدة الساحات

هذا الاصطفاف المنحاز لكل مكونات العراق مع الشعب الفلسطيني، هو “قوة لفلسطين ومقاومتها”، وترابط لساحات محور المقاومة ويحمل “رسالة قوية للعدو الإسرائيلي”، حسب ما أوضح النخالة، و”هذا الترابط الكبير لم يأتِ فجأة بل بفعل تراكم قوة المقاومة وتراكم بغي العدو”.

لكنّ الزيارة “بالغة التأثير في المنطقة” لوفد حركة الجهاد الإسلامي: مسؤول ساحة لبنان و عضو مكتب سياسي احسان عطايا، مسؤول الدائرة الإعلامية الدكتور أنور أبو طه، عضو المكتب السياسي علي أبو شاهين، مسؤول دائرة التثقيف الحركي الحاج ابو السعيد الميناوي، الى جانب الأمين العام، تأتي استكمالًا لوحدة الساحات التي رسمتها الحركة في معركتها في آب / أغسطس 2022، وبتضحياتها المتمثّلة بشهادة القائدين الكبيرين خالد منصور وتيسير الجعبري.

أقامت الحركة بعد ذلك العدوان الذي أراد الاحتلال منه عزل “الجهاد الإسلامي” والاستفراد بها وتقليص دورها وحضورها، مهرجانات تأبين شهدائها في خمس ساحات بالتزامن (قطاع غزّة، جنين، بيروت، دمشق، صنعاء) لأوّل مرّة في تاريخها. كانت استفتاءً شعبيًا على نهجها وخياراتها وتوسعًا لحضورها في المنطقة على عكس أهداف الاحتلال. وقد خصّص العراق “الجهاد الإسلامي” بالدعوة الرسمية وثمّن “رشيد” على “الدور الذي تقوم به حركة الجهاد الإسلامي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني”.

علّق الإعلام العبري على هذه الزيارة بزعم أنّ “هناك رائحة حرب في الأجواء في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران، واليمن والآن في العراق علناً” (موقع “مفزاكي راعام”).

ثالثًا: إحباط مشاريع أعداء العراق وفلسطين

بعد التصدي لتوغلات الجماعات الإرهابية في العراق منذ العام 2014، عادت المؤامرات لحرف العراق عن الحاضنة العربية والإسلامية، بمحاولة جرّه نحو فخ التطبيع مع كيان الاحتلال. وقد تمثّل ذك جليًا في مؤتمر “أربيل” الذي تحدّث فيه وباللغة العبرية “جيمي بيريز” نجل رئيس كيان الاحتلال السابق شمعون بيريز. قطع العراق الطريق على ذلك من خلال إقرار البرلمان لقانون يجرم التطبيع ويدين مبدأ الازدواجية التي تتعامل به بعض الجهات الدولية مع الحقوق الفلسطينية.

في يوم القدس العالمي هذا العام، أعاد المسؤولون العراقيون التأكيد على الموقف الرافض للتطبيع. وفي هذا السياق قالت الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية إنّ أي “تقدم نحو التطبيع في العراق وإن كان حاملا شعار السيادة ومتعكزا على التظليل الديمقراطي سيتصدر أولوياتنا بالمواجهة”.

وما دعوة “الجهاد الإسلامي” وفعاليات يوم القدس الا تجديدًا لهذا الخيار وإيمانًا بحقوق الشعب الفلسطيني.

العراق يحيي يوم القدس

“إن العراقيين عندما يشاركون في مسيرة يوم القدس يثبتون أن محور المقاومة ومحور مواجهة اسرائيل قوي وسيواجه كلّ تآمر”، هذا ما قاله الشهيد القائد أبو مهدي المهندس. وقد دعا هذا المرجع الديني السيد كاظم الحسيني الحائري “أبناء الشعب العراقي الى الإنضمام الى باقي شعوب العالم المسلمة… لتنظيم أوسع تظاهرة في العراق ضد الصهاينة” في يوم القدس العالمي.كذلك اعتبرت الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية أنّ “الحضور في يوم القدس محطة أخرى في طريق تحرير فلسطين”.

حضرت الجماهير العراقية في مسيرات في مختلف المحافظات والمناطق العراقية، شارع “فلسطين” في العاصمة بغداد في النجف الأشرف، مدينة ابو مهدي المهندس (البصرة) وديالى وصلاح الدين وذي قار، تحت مبدأ “مشاركتم صرخة في وجه الكيان الاسرائيلي الغاصب”. بالاضافة الى فعاليات المؤتمر الدولي الرابع ليوم القدس العالمي تحت عنوان “موعدنا في القدس”.

كما نظّمت مجموعة من الشباب العراقيين من أدباء وإعلاميين وفنيين ورياضيين تجمعًا تحت مُسمى (خيمة فلسطين) في العاصمة، عرضت فيه أعمال فنية. وقد حضرت عوائل فلسطينية وعراقية مستنكرين اعتداءات الاحتلال في القدس والضفة وغزّة.

في النتيجة “العراق الذي خرج بنسبة كبيرة من محنته وهو على مسار التعافي، وبما يختزن من قوى وامكانيات ومرجعيات وشعب وحشد وفصائل مقاومة، نحن هنا في المنطقة في دول الطوق، في حركات المقاومة المرابطة على الحدود مع فلسطين، في بيت المقدس وفي اكناف بيت المقدس، نقول كل يوم واليوم أيضاً نقول لإخواننا في العراق نحن نعلق عليكم آمالا كبيرة ورهانات عظيمة، لأن العراق بامكاناته بقدراته بشعبه بحضارته بتاريخه يملك امكانات بشرية ومادية هائلة، وإذا اضيفت بالفعل إلى حضور حقيقي كما بدا فعلاً منذ سنوات في محور المقاومة، بالتأكيد سيغير الكثير من معادلات المنطقة”، حسب ما شدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

 

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

شح المياه في واسط وارتفاع أسعار المبيدات يؤثر على القطاع الزراعي في المحافظة

شح المياه في واسط وارتفاع أسعار المبيدات يؤثر على القطاع الزراعي في المحافظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *