إنهيار البترو دولار وشيك جدًا

الكاتب || عدنان علامه || عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

عندما يسرق أي مواطن في أي دولة في العالم فإنه يخضع لأقسى أنواع العقوبات؛ وأما حين تسرق الدولة ثروات الشعوب فلا يستطيع أحد محاسبتها خوفًا من تفوق قدرتها العسكرية وغطرستها واستكبارها. وهذا ما فعلته أمريكا في عهد نيكسون؛ وعرفت تلك السرقة الأكبر في التاريخ ب “صدمة نيكسون NIXON SHOCK فلنتعرف على تفاصيل هذه السرقة الكبرى.
تشاور الرئيس نيكسون مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي آرثر بيرنز، ووزير الخزانة جون كونالي، وبعد ذلك مع وكيل الوزارة لشؤون النقد الدولي ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي في المستقبل بول فولكر بعد ظهر يوم الجمعة الموافق 13 أغسطس 1971، والتقى هؤلاء المسؤولون جنباً إلى جنب مع اثنى عشر مستشاراً رفيعي المستوى في البيت الأبيض ووزير الخزانة سراً مع نيكسون في كامب ديفيد. كان هناك نقاش كبير حول ما ينبغي القيام به، ولكن في النهاية قام الرئيس نيكسون بالاعتماد على هذه المشورات خاصةً من وزير الخزانة كونالي، حيث قرر *كسر نظام بريتون وودز من خلال تعليقه قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، وتجميد الأجور والأسعار لمدة 90 يوماً لمكافحة الآثار التضخمية المحتملة؛ وفرض رسوم استيراد 10%، لمنع التكالب على الدولار واستقرار الاقتصاد الأمريكي والحد من البطالة والتضخم معدلات الولايات المتحدة، وحدث ذلك في 15 آب 1971.
وأعلن نيكسون حينها أن الدولار سيُعوَّمُ، أي ينزل في السوق تحت المضاربة وسعر صرفه سيحدده العرض والطلب بدعوى أن الدولار قوي بسمعة أمريكا واقتصادها”. وكأن هذه القوة الاقتصادية ليست قوة مستمدة من تلك الخدعة الكبرى التي استغفل بها العالم
فلم تتمكن أي دولة من الإعتراض أو إعلان رفض هذا النظام النقدي الجديد لأن هذا الاعتراض سيعني حينها أن كل ما في خزائن هذه الدول من مليارات الدولارات في بنوكها سيصبح ورقًا بلا قيمة؛ وهي نتيجة أكثر كارثية مما أعلنه نيكسون.
وحينها ذهب التعلب الأمريكي هنري كيسنجر إلى السعودية وطلب منهم: “أن من يريد أن يشتري النفط يشتريه بالدولار”. وهذا ما فعلته السعودية. نيكسون قال “يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها ويجب أن يلعبوها كما وضعناها”
ولا زال هذا النظام قائمًا حتى اليوم فأمريكا تطبع ما تشاء من الورق وتشتري به بضائع جميع الشعوب لذلك. وقال بوتين :-
“أمريكا تسرق العالم والحقيقة الأمريكي يغتصب كرامة العالم”.
وقد ساد الدولار على مدى عقود كعملة احتياطية في العالم، وبات يستخدم على نطاق واسع في التجارة عبر الحدود، وخاصة بالنسبة للسلع مثل النفط. وبفضل استقرار أسعارها النسبي، يرى المستثمرون أنها أحد أصول الملاذ الآمن في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي المتزايد.
لقد حفرت أمريكا بنفسها قبر “البترو دولار” بسبب سياسة الإدارة الأمريكية الإستعلائية والإستكبارية بفرض إستعمال الدولار في المعاملات التجارية وصفقات البترول؛ وقد فرضت الإدارة الأمريكية العقوبات الجائرة وغير القانونية على عدد من الدول وفي اوقات مختلفة وهي : روسيا • إيران • كوريا الشمالية • سوريا • لبنان . السودان • كوبا • بيلاروسيا (روسيا البيضاء) • بورما وفنزويلا. وسرعان ما تفرض أمريكا العقوبات على كل من يعارض سياستها.”
بدأت بعض الدول محاولات كسر احادية القطب؛ فصاغ جيم أونيل بتاريخ عام 2001 ، والذي كان كبيراً لخبراء الاقتصاد لدى جولدمان ساكس، صاغ مصطلح «بريك» لوصف «الأسواق الناشئة» في البرازيل وروسيا والهند والصين.
وعقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يكاترينبورغ .
وانضمت جنوب أفربقيا ومؤخرًا فاصبحت تعرف بال”بريكس” [ وهي مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتينية BRICS /المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ومنذ نهاية شهر كانون الثاني 2023 بدأت الصين تضغط من أجل أن يحل اليوان محل الدولار في تداولات النفط، خصوصاً في ظل زيادة تجارتها مع روسيا بعد الحرب في أوكرانيا.*
وتتطلع هذه االخطوة إلى التخلص من نظام البترودولار المعمول به منذ 1970، حيث تتم تسوية معاملات النفط العالمية إلى حد كبير بالدولار.
ونهاية العام الماضي، بدأت بكين في شراء خام موسكو بخصومات كبيرة، واستكملت تلك المشتريات باليوان بدلاً من الدولار، مما أدّى إلى ظهور ما يسمى بترو يوان.
وقال فيكتور كاتونا المحلل في “كبلر” إنّ روسيا أصبحت فعلياً “دولة آسيوية بعدما أدخلت اليوان في تجارة النفط على نطاق واسع”.
وقد أقترحت روسيا والصين عملة احتياطية جديدة مع دول البريكس الأخرى في تحد لهيمنة الدولار، وتستند إلى سلة من العملات من أعضاء المجموعة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا”
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يحل البترو يوان مكان البترو دولار نتيجة. تراجع تجارة النفط بالدولار؟ السؤال هذا تفرضه الاتفاقيات والتفاهمات التجارية المكثفة بين الصين ودول عديدة بدءًا من روسيا وإيران وليس انتهاءً بفنزويلا والمكسيك. فهل يُقصي الدولار عن عرش العملات؟ وكيف يمكن للتحولات في دول البريكس وأوبك بلاس أن تعزز هذا المسار؟”
الأمر الذي يعزز إنهيار البترو دولار هو حجم الصفقات بين فرنسا والصين.
وقد أكملت الصين، الثلاثاء الماضي، أول عملية شراء للغاز الطبيعي المُسال باستخدام التسوية باليوان الصيني بدلاً من الدولار، وذلك لشراء دفعة قادمة من الإمارات، وفق موقع “أويل برايس”.
وتأتي هذه الصفقة وسط تزايد قبول اليوان في السوق الدولية.
وقالت بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي، في بيانٍ، إنّ شركتي الصين الوطنية للنفط البحري “كنوك” و”توتال انرجي” الفرنسية، أتمتا من خلال البورصة أولى تعاملات الصين في الغاز الطبيعي المُسال التي جرى تسويتها باليوان.
وأضافت البورصة أنّ المعاملة شملت نحو 65 ألف طن من الغاز الطبيعي المُسال استوردتها “توتال انرجي” من الإمارات قبل تسوية المعاملة مع الشركة الصينية بعملة “اليوان”.
واللافت أن موقع “vettafi” الأميركي كشف مطلع هذا الشهر أنّ في الشهرين الأولين فقط من عام 2023، بلغ إجمالي واردات الصين من روسيا 9.3 مليار دولار، متجاوزة واردات عام 2022 بالكامل، من حيث القيمة الدولارية.
وأشار الموقع إلى أنّه في شهر شباط/فبراير وحده، إستوردت الصين أكثر من مليوني برميل من الخام الروسي، وهو رقم قياسي جديد.
ووفق الموقع فإنّ دول منظمة أوبك الرئيسية الأخرى وأعضاء البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) قبلت باليوان كعملة فعلية.
وأوضح الموقع أنّ “روسيا وإيران وفنزويلا يمثلون نحو 40%، من حقول النفط المثبتة في العالم، وتبيع الدول الثلاث نفطها مقابل اليوان، كما تقدمت كل من تركيا والأرجنتين وإندونيسيا والسعودية المنتجة للنفط من الوزن الثقيل، بطلبات للدخول إلى البريكس، بينما أصبحت مصر عضواً جديداً هذا الأسبوع (انضمام مصر إلى بنك التنمية الجديد التابع لبريكس)”.
وقد فجر الرئيس ماكرون منذ يومين قنبلة من العيار الثقيل جدًا بوجه أمريكا حين قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه “يتوجب على أوروبا أن تقلل من إعتمادها على الدولار الأمريكي خارج “الحدود الإقليمية”.
وأضاف ماكرون خلال تصريحات نقلتها صحيفة “بوليتيكو” بعد عودته من زيارة للصين إنه “يتعين على أوروبا تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة وتجنب الانجرار إلى مواجهة بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان”.
وتابع قائلا: “الخطر الكبير الذي تواجهه أوروبا هو أنها عالقة في أزمات ليست من شأننا أو أزماتنا مما يمنعها من بناء استقلاليتها الاستراتيجية”.
ولمعرفة مصير البترودولار والدولار غير المغطى بالذهب؛ سأعتمد بشكل رئيسي على ما قاله الرئيس نيكسون حين اوقف تبديل الدولارت بالذهب وتقارنوا بأنفسكم الوضع الصعب والضعيف جدًا للبترو دولار والمرشح للسقوط المدوي الذي تربع على عرش التجارة العالمية منذ أكثر من نصف قرن.
قال نيكسون أن “الدولار سيُعوَّمُ، أي ينزل في السوق تحت المضاربة وسعر صرفه سيحدده العرض والطلب بدعوى أن الدولار قوي بسمعة أمريكا واقتصادها”
فأين أصبحت قوة الإقتصاد الأمريكي في حجم التبادلات الروسية والصينية والإيرانية الضخمة جدًا ودول البريكس التي لا تتعامل بالبتر دولار. وبناءً عليه فالبترو دولار في أسوأ مرحلة منذ عدة عقود بشهادة الواشنطن بوست والصحف الأمريكية وتصريحات ماكرون وضعت البترو دولار في غرفة العناية الفائقة وموقف السعودية ودول الأوبيك بلاس من إستعمال البترو يوان أو البترو دولار سيقرر الإنهيار السریع أو البطيء للبترو دولار. وإن غدًا لناظره قريب

 

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

السكك الحديد: توجه لإنشاء خط بغداد – بيجي دعماً لمشروع طريق التنمية

أعلنت الشركة العامة للسكك الحديد العراقية، اليوم الأحد، وجود خطة لإنشاء خط جديد يربط بغداد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *