التواصل بالنسبة للبشر هو حجر الأساس لعلاقاتهم وجزء من نجاح أعمالهم، وبالمثل تصدر الحيوانات أصواتا للتحذير وجذب الرفقاء والتعبير عن الضيق وللدفاع عن أراضيها، وتحقق الأحبال الصوتية أغراضا لا تعد ولا تحصى لضمان البقاء على قيد الحياة.
لكن هل تساءلت يوما، من بين جميع المخلوقات التي تشاركنا كوكب الأرض، أي منها يتكلم أكثر؟ وما هو الحيوان الأكثر ثرثرة؟.
تكلفة النطق
من الناحية البشرية، قد نقيس “الثرثرة” بطريقتين؛ مقدار الوقت الذي نقضيه في الحديث، وتنوع ما تنقله تلك الأصوات. فكيف ينطبق هذا على الأنواع غير البشرية؟
يقول إريك كيرشنباوم -عالم الحيوان في “جامعة كامبريدج” (University of Cambridge) في المملكة المتحدة الذي يدرس التواصل الصوتي للحيوانات ويستخدم الخوارزميات لتحليل ومقارنة أصواتها- إن الحيوانات عندما تبحث عن الطعام فإنها تصدر أصواتا؛ لكي يعرف الجميع أن كل شيء على ما يرام وأنه لا توجد حيوانات مفترسة.
ووفق ما يقوله كيرشنباوم لموقع “لايف ساينس” (Live Science)؛ فإن كون الحيوان اجتماعيا لا يعني بالضرورة أن الحيوان يتواصل كثيرا، ذلك لأن النطق يأتي بتكلفة أيضا، فـ “معظم الحيوانات تحاول عدم النطق كثيرا، لأن ذلك يتطلب في الواقع الكثير من الطاقة”. وهناك عامل آخر وهو الافتراس؛ فالأصوات تعرض الحيوان لخطر محتمل وهو أن يتم صيده.
وعندما يتعلق الأمر بالتواصل الصوتي، فإن الأنواع الاجتماعية تميل إلى أن يكون لديها تنوع أكبر في الرسائل التي تنقلها، بينما تحتاج الحيوانات المنعزلة إلى توصيل رسائل أبسط لبقية العالم.
سرقة الأصوات
يقول كيرشنباوم إنه من الخطأ بشكل عام النظر إلى التواصل بين الحيوانات على أنه مصنوع من كلمات منفصلة ذات معان فريدة مثل كلامنا.
هذه الفكرة أيدتها الطيور المغردة، وعلى الرغم من أن لديها بعض التسلسلات الصوتية الأكثر تعقيدا بين جميع الكائنات الحية فإن هذه التسلسلات تحدث عادة في سيناريوهات، حيث لا تطابق البساطة النسبية لأغراض الطائر من التواصل، مثل دعوة رفيق أو الدفاع عن أرضه.
يقول إريك جارفيس -عالم الأعصاب بـ”جامعة روكفلر” (The Rockefeller University) في نيويورك الذي يدرس الطيور المغردة كنموذج لكيفية تعلم البشر الكلام- لموقع “لايف ساينس” إن “بعض أنواع الطيور -مثل الطيور المحاكية أو الببغاوات الأفريقية الرمادية- تسرق الأصوات من الأنواع الأخرى في البرية لتبدو أكثر ذكاء، إذا جاز التعبير”.
وتشير تلك الببغاوات والطيور المحاكية إلى أن الأصوات الفردية ربما لا تنقل رسائل منفصلة كما تفعل الكلمات عندما يتكلم البشر؛ لأنهم ينتمون إلى أنواع مختلفة تماما، فمن غير المحتمل أن يكون لديهم معان قابلة للنقل.
اسمع وتعلم
ومهما كان ما تقوله الحيوانات، يقضي البعض منها وقتا أطول في الحديث أكثر من الآخرين.
ووفقا لجارفيس، يمكن تقسيم الحيوانات إلى مجموعتين عريضتين؛ المتعلمين غير الصوتيين (أو الفطريين)، والمتعلمين الصوتيين، وهي الحيوانات التي تتعلم النطق عن طريق تقليد الأصوات.
وتقع مجموعات قليلة من الحيوانات في معسكر التعلم الصوتي الذي يضم البشر وأنواع الطيور المغردة وبعض الثدييات غير البشرية، بما في ذلك الدلافين والحيتان والفيلة والفقمات والخفافيش.
ويري جارفيس أن التواصل بشكل متكرر يمكن أن يساعد في التواصل عبر مساحات كبيرة، مما يساعد الحيوانات على المطالبة بأرض أو العثور على رفيق. ويفترض أن أكثر الحيوانات إصدارا للأصوات هي التي يجب أن تقلق بشكل أقل بشأن الحيوانات المفترسة.
ومن المثير للاهتمام، أن المتعلمين الصوتيين على وجه الخصوص “يميلون إلى أن يكونوا بالقرب من قمة السلسلة الغذائية مثل البشر والحيتان والدلافين أو الأفيال، أو أنهم ينطقون في نطاق الموجات فوق الصوتية (لذلك لا يمكن سماعهم)، مثل الخفافيش”.
أفضل ثرثار
علاوة على ذلك، تمتلك الحيوانات الثرثارة على وجه الخصوص نظاما يقلل تكاليف الطاقة المرتبطة بإصدار الأصوات باستمرار.
إذن، من يحصل على تاج أفضل حيوان ثرثار؟ قدم كيرشنباوم تخمينا مستنيرا أنه من بين تلك الحيوانات، ستكون الدلافين منافسة قوية على اللقب، وذلك بناء على بحثه.
ويكرس جارفيس الآن جزءا من بحثه لمعرفة ما يمكن أن يخبرنا به المتعلمون الصوتيون عن اللغة البشرية المنطوقة، وحدد طفرات جينية معينة في الطيور المغردة ترتبط بالتعلم الصوتي والتي يمكن أن تلقي بعض الضوء على كيفية حدوث اضطرابات الكلام لدى البشر، لذا فإن دراسة كيفية تواصل الحيوانات هي أكثر من مجرد فضول، ويمكن أن تساعدنا في فهم أنفسنا أكثر.
انتهى .