نجاح الحكومة يعني انقلابا..!

حافظ آل بشارة ||

الحكومة المقبلة كغيرها من الحكومات في العالم ، توليفة سياسية مكونة من رئيس الوزراء ووزراءه وبرنامجه ، من ناحية البرنامج فالعراق اكثر البلدان لديه برامج حكومية ، الاحزاب تكتب برامج انتخابية تنفيذية في كل انتخابات ، ومجالس المحافظات تكتب ، والحكومات الماضية تكتب ، ورغم ان احزاب البلد اما طائفية او قومية او مناطقية او عديمة اللون لكنها تكتب برامج انتخابية رائعة لكل الدولة ، البرنامج الحكومي هو عبارة عن حلم مثالي ، لكن الغريب في العراق ان برنامج سنة 2005 نفسه يصلح لسنة 2022 دون حذف او تعديل في اولوياته وفقراته ! لماذا لأن ذلك البرنامج وكل ما تلاه من برامج لم ينفذ منها شيء ، لذلك فهي تحفة ولوحات فنية تصلح لكل الحكومات ، حاليا العراق ليس بحاجة الى كتابة برنامج بل يبحث عن منفذ برنامج حر مختار . خبراء التخطيط ينصحون بدراسة تجارب الفشل في الحكم اكثر من دراسة تجارب النجاح ، اذن السؤال هو : لماذا فشلت الحكومات المتعاقبة في تنفيذ برنامجها ؟ يجب تحديد اسباب الفشل واعتراف الفاشلين بفشلهم ، وان لا يحاول البعض ان يدافع عن فشله او يلصقه بالآخرين ، ويجب تصنيف اسباب الفشل بدقة فما هو الفشل الذي كان سببه القوى الاجنبية واملاءاتها ؟ وما هو الفشل الذي كان سببه العراقيون واحزابهم وساستهم ؟ ثم تأتي خطوة اصلاح اسباب الفشل وليس فقط اصلاح نتائج الفشل ، يجب خياطة الجرح وليس مسح النزيف.
القضية الاكثر اهمية ان لا يتم تقييم تجربة الفشل بالطريقة (التجزيئية) بل بالطريقة (الموضوعية) العميقة ، الفشل والفساد في العراق ليس مجرد سلوك افراد منحرفين وانما هو مخطط ومنظومة معقدة وعميقة تسمى (دولة المافيات) اوجدتها القوى الاجنبية والسفارات ومؤيدوها فحكمت البلد منذ 2003 ، ويوجد داخل المنظومة كثير من الشرفاء والمخلصين والقوى السياسية المحترمة ، الا انهم عاجزون عن الوقوف بوجه الطوفان ، وهذا يعني ان عملية الاصلاح التي تريدها الحكومة الجديدة عملية تشبه الانقلاب ، لانها تريد تغيير النهج المافيوي للنظام السياسي الى نهج حكومي دستوري ، وخلافا لما تريده قوى التدخل الاجنبي ، وخلافا لمصالح المافيات الوطنية ، وهنا تكمن صعوبة التحول ، خاصة وان عمر الحكومة المتوقع ربما لا يسمح بهذا النمط من التغيير العميق ، ومقاومة المافيات للتغيير ستكون مقاومة ضارية ، خاصة وانها تنتمي الى كل المكونات السياسية وليست تابعة لمكون دون غيره ، وقد توحدها التهديدات مثلما تفرقها المكاسب ، والمؤسف حقا ان الخلافات الحالية على الحصص بين القوى السياسية هو الذي يؤخر تقديم الكابينة لغاية الآن ، وهذا ايضا يعد نوعا من الانسداد المتعمد لأجل المصالح الضيقة ، وهذا السلوك التعطيلي سيؤدي الى تدن اكثر في سمعة ومصداقية اغلب القوى السياسية من كل المكونات.
سبب آخر للتعطيل تلك الحقيقة التي تقول : ان نجاح اي رئيس وزراء في ظروف العراق الحالية قد يؤدي الى تحوله الى حالة رمزية مثل حالة عبد الكريم قاسم ، ومن الرمزية ينتقل الى حالة الفريق السياسي الاستقطابي ثم تيار اجتماعي جارف ، وهذا معناه ان اغلب القوى التقليدية سيتراجع نفوذها ، خاصة وان الشارع مستعد للالتفاف حول كل من يتوقع فيه املا للانقاذ بعد هذه الرحلة الطويلة من الفشل والفساد وفقدان مقومات الحياة الكريمة ، فهل ستكون مثل هذه التحولات موضع ترحيب لدى القوى السياسية من كل المكونات ؟ وهل تسمح معادلات الاحتلال بمثل هذا التحول ، الم تكن بعض السفارات شريكة في تكريس هذا الواقع المرير وتتمنى بقاءه ؟
هذه ليست دعوة للتشاؤم بل دعوة للشعب والقوى المخلصة ان تستثمر تشكيل الحكومة الجديدة للتصحيح الحقيقي بجهد سياسي سلمي وتعاون وتضامن ، ولا توجد قوة في الارض قادرة على افشال التغيير اذا كان مستندا الى تحالف سياسي موحد ، وشعب مؤيد وداعم ، وفريق تنفيذي مخلص ومتماسك فهل سيحصل ذلك ؟

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

Check Also

التعداد العام للسكّان..!

الشيخ حسن عطوان ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *