عقدة الدولة..!

حمزة مصطفى ||

بعد 11 شهرا من إجراء انتخابات وصفت بالمبكرة تعاود نفس الأحزاب التي فازت والتي خسرت والتي إنسحبت الحديث عن انتخابات أخرى ومبكرة أيضا. لم يقف الأمر عند هذا الحد, فبسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة أغلبية من قبل طرف قرر أن يذهب الى الأغلبية بعد 19 عاما من تداول السلطة توافقيا بسبب فخ الثلث المعطل قررت كل الأحزاب والقوى بإستثناء الطرف المنسحب وبعد 19 عاما على إدارتها الدولة تشكيل إئتلاف جديد إسمه إئتلاف “إدارة الدولة”. الأ تبدو العملية أشبه بالداوركيسة التي تحتاج توضيح. التوضيح ليس للمواطن إنما للباحثين والدارسين والحامضين والمؤرخين و”المرتخين”.

أما لماذا لايحتاج المواطن الى توضيح فلأن لدينا نوعين من المواطنين.
مواطن كريم حسب وصف القوى والأحزاب والشخصيات والزعامات من كل المكونات وهذا جمهور النعم والبصم بالعشرة. طالما الزعيم سالم فهذا المواطن الذي يخرج من عام 2005 الى اليوم ينتخب ونسبته في أقصى حالاتها 25% سالم. مع أن نفس هذا المواطن الذي منح صفة الكريم يخرج الى الفضائيات شاكيا باكيا من قلة الخدمات التي يسردها أمام كل فضائية مع بعض التقديم أو التأخير. مرة يبدأ بالكهرباء وينتهي بالماء ومرة يبدأ بالماء وينتهي بالتعيين وهكذا دون كلل ولاملل. مع ذلك حين يقال له أخرج متظاهرا يخرج متظاهرا, أخرج الى الانتخابات حتى لو كل أسبوعين يخرج منتخبا بل يبالغ في “تغميس” إصبعه بالحبر البنفسجي.
المواطن الآخر غير الكريم هو المواطن الذي لا علاقة له إن شرقت أو غربت. أصلا “السالفة مويمه”. صارت انتخابات أم لم تحصل. تظاهر القوم أم لم يتظاهروا. قطعت الطرق وأغلقت الجسور أم لم تقطع أو تغلق. وهذا المواطن نسبته أكثر من 70%. لا يشارك في أي شي ولكنه يريد التغيير. ربما المتغير المهم على صعيد المشاركة من عدمها هي إنتفاضة تشرين عام 2019 التي أرادت تغيير المعادلة عبر شعار “نريد وطن” وهو أول تأسيس صحيح لبناء دولة.
لكن الذي حصل لتلك التظاهرات وبرغم المآخذ بشأن ماكان ينبغي أن يكون عليه مسارها فإنها قدمت تضحيات كبيرة جدا دون أن تكون مخرجاتها بحجم تضحياتها. ومع كل مايمكن قوله بشأن تباين المواقف بين من يريد دولة وأي دولة وبين من لايفرق بين الدولة والحكومة فإن التخبط سيد الموقف بسبب عدم القدرة على الفرز وبسبب رسوخ عقدة الدولة دون فهم واضح لها.على صعيد هذه النقطة تحديدا فإن العراق وبرغم أن عمر دولته تعدى القرن لكن لايزال الجدل قائما حول الكيفية التي بنيت عليها الدولة العراقية منذ العشرينات عند أول التأسيس الى اليوم مرورا بالتأسيس الثاني عام 2003.
ومع أن حنا بطاطو بحث كل التفاصيل المتعلقة بالإشكالية التي مثلتها الدولة العراقية وعلاقاتها بالمكونات العرقية والدينية والمذهبية التي يتكون منها العراق شعبا وجغرافية والتي يطلق عليها تحببا وبدون مضمون فعلي “شدة الورد” فإنها لاتزال قائمة بسبب إشكالية المواطنة.
فالدولة العراقية بنسختيها البريطانية (1921ـ 1958) والأميركية (2003 ـ الى اليوم) لم تتمكن من ترسيخ هوية مواطنة عابرة. وبسبب ذلك فقد تم القفز على كل مايتعلق باليات بناء الدولة على أساس هوية المواطنة بإتجاه إقامة حكومات مكوناتية فشلت في تحقيق الحد الأدنى من طموح المواطن العراقي. فالمواطن العراقي هوشيعي وسني وكردي ومسلم ومسيحي وتركماني وأزيدي وصابئي يفخر بتكويناته ومكوناته لكنه يصبح عراقيا فقط وللعظم حين يتعلق الأمر بالحاجة الى الماء والكهرباء وفرص العمل والوظيفة الحكومية والخدمات العامة. وهذه بحد ذاتها إشكالية تجعل من الصعوبة التعامل بنسبة معيارية واحدة بين الدولة والحكومة. العراقيون يريدون دولة تمنح لهم كل مايريدون مثل ماتقدمه أي دولة في العالم. لكنهم في مقابل ذلك ويحصل هذا بالتماهي مع الأحزاب التي تقود (الدولة) التي لاتزال مفترضة يريدون حكومة من 22 وزير فيها 12 وزير شيعي و6 وزراء سنة و3 للأكراد وحصص لباقي المكونات.
هذا التقسيم المسبق للمناصب والمواقع أدى الى تغليب فكرة الحكومة وقوتها على الدولة كمفهوم وواقع. لا أعرف إن كانت الأحزاب التي فكرت اليوم بإنشاء إئتلاف تحت مسمى “إدارة الدولة” يمثل رؤية بهذا الإتجاه أم هو مجرد تسمية تضاف الى سجل هذه الأحزاب الحافلة بالتسميات.. خالية الدسم.

 

المصدر: ألواح طينية.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

حديث الإثنين.. سيظل العرب في غيهم يعمهون..!

احمد ناصر الشريف ||

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *