سالم مشكور ||
الجدل حول الصحابة وسلوك البعض منهم، ومن تنطبق عليه هذه الصفة، ليس وليد اليوم بل يجري البحث والجدال حوله منذ مئات السنين، بل هو في الأساس ما يقسم الأمة الإسلامية ويعمق الخلاف بين مذاهب المسلمين، بل إنه مطروح حتى داخل ساحة المذهب السني، التي يطلق متطرفوه هذا الوصف على كل من كان في عهد الرسول، ويقدسونه بغض النظر عن أدائه وسلوكه.
على الجانب الآخر، غالبية الشيعة تتفق على تقييمها للصحابة ورفضها أداء بعضهم، لكنها تنقسم إلى فريقين: الأول يسلك منحى متطرفاً في إعلام موقفه منهم، دون مراعاة للمصالح العليا للمسلمين ومجتمعاتهم، وما يحيط بهم من مشاريع الإضعاف والتفتيت، بينما يرى الفريق الثاني أن الخوض في هذا النقاش مرفوض ما دام يخلق أرضية انقسام وبغضاء بين المسلمين، شأنه في ذلك شأن كل ما يقسّم المجتمع على أساس قومي أو ديني، خصوصا عندما يخاض خارج المحافل العلمية المتخصصة.
ربما يقدم ما حدث مؤخرا من ترويج قصيدة للملا باسم الكربلائي في هذا التوقيت بالذات، ما يؤكد وجود من يستثمر في هذا الجدل لأهداف سياسية، كما أن بعض الدول صاحبة التاريخ الطويل في التلاعب بوحدة المسلمين تستضيف محطات تلفزيونية مهمتها السباب والشتائم الموجهة لرموز إسلامية عاصرت الرسول الكريم في مراحل دعوته الأولى، في حين نرى هذه الدول تغلق محطات لمجرد تشكيكها بالمحرقة اليهودية.
ليس الجدل حول الصحابة وأداء بعضهم، محصورا بين مذاهب إسلامية، إنما يتحرك هذا النقاش داخل المذهب الواحد، وتحديدا المذهب السني، من خلال ما يطرحه مفكرون إسلاميون يحاولون إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والاشارة إلى ممارسات قام بها بعض من يوضعون في خانة الصحابة. من هؤلاء المعاصرين الباحث المصري المستشار أحمد عبده ماهر، والباحث إسلام البحيري، والمفكر الفلسطيني عدنان إبراهيم وغيرهم كثيرون. بالتالي فإنه صراع بين تيارين، تقليدي يقدّس التاريخ كما هو، وآخر تجديدي يدعو إلى إعادة قراءة التاريخ الإسلامي وشخوصه، بعيدا عن التقديس المجمد للعقل.
في مجتمعات مثل المجتمع العراقي وأغلب المجتمعات العربية والإسلامية الغارقة في الانقسام والصراع، فإن استحضار الماضي المليء بمحفزات الانقسام والكراهية، يعدّ مساهمة في تعميق الانقسام والفرقة، من خلال توفير أرضية تستثمر فيها القوى التي تريد بقاء هذه المجتمعات غارقة في جدل الماضي بما يستتبعه من صراعات ودماء وتأخّر عن ركب العالم. صحيح أن الموقف والرأي بالماضي وشخوصه حق لصاحبه لا يمكن لأحد مصادرته، لكن طرحه في التوقيت الخطأ أو تحويله إلى سباب وشتائم، سيتحول إلى أداة لهدم الأمن والاستقرار الاجتماعي. يكفي أن نرى عشرات آلاف الضحايا الذين سقطوا على يد انتحاريين جاؤوا من أرجاء الأرض، مخدوعين بشعار مجاهدة من يسبّون الصحابة.
تذكروا قول الإمام علي (عليه الإسلام) لأصحابه “أكره لكم أن تكونوا سبّابين”.
المصدر: ألواح طينية