قاسم سليماني مدرسة عسكرية تفرض المعادلات وتغيّر الموازين

شارل ابي نادر

عامان مرّا على استشهاد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الفریق الحاج قاسم سليماني بواسطة طائرة مسيرة أميركية اغتالته قرب مطار بغداد مع رفيق مسيرته الجهادية الحاج ابو مهدي المهندس المسؤول العملاني الأول في الحشد الشعبي العراقي، وما زالت تداعيات هذا الاستشهاد تمر ثقيلة على الأميركيين والصهاينة الذين اغتالوه، ليس بسبب تنفيذهم للجريمة، فهم اعتادوا على تنفيذ الجرائم ومخالفة القوانين الدولية والانسانية وقوانين الحرب، بل سبب هذه التداعيات أن مسيرة الحاج قاسم ومدرسته المقاوٍمة، ما زالت ثابتة وصامدة وتتطور أكثر فأكثر، وفق ما وضعه لها من خطوط وأسس.

استطاع الحاج الشهيد تحقيق أهداف عظيمة بمواجهة هؤلاء القتلة خلال مسيرته الطويلة المشبعة بالقتال وبالمعارك وبإدارة مناورات محور المقاومة (حيث كان الحاج المحرك الرئيس لعمل هذا المحور في آخر سنوات حياته حتى الاستشهاد). وما كان مقدّرًا ومنتظرًا أن يحققه من أهداف أخرى كانت تشكل لهؤلاء القتلة هواجس وكوابيس أرادوا التخلص منها عبر اغتياله، اكتشفوا أنها تضاعفت بعد اغتياله، وأصبحت أكثر ايلامًا وتاثيرًا وخطورة عليهم.. فما هو سر استمرار مسيرة ومدرسة الحاج قاسم سليماني الجهادية وتطورها أكثر وأكثر بعد استشهاده؟ وما هي القدرات التي تميز بها وكانت أساس هذا الاستمرار والتطور؟

كان الحاج الشهيد، ومن خلال متابعة مسيرته العسكرية الجهادية، منذ بداياتها كضابط آمر وحدة قتال صغيرة في الحرب البعثیة المفروضة على ايران، وحتى استشهاده في العراق قائدًا عسكريًا لفيلق القدس ومنسقًا ومديرًا رئيسًا لوحدات محور المقاومة، يجمع كل امكانيات القائد العسكري بمختلف مستويات القتال والمعرفة، فكان ذلك القائد البارع في القتال الفردي الذي مارسه على جبهات القتال المتقارب والمواجهة المباشرة، وذلك القائد الذي نجح في فهم وإدارة أسس المواجهة المباشرة لوحدات صغيرة، رهط وحظيرة، وهذه القدرات بمختلف مستويات القتال، ظهرت في جولاته الميدانية على الجبهات المباشرة بمواجهة العدو، ومن خلال تواصله المباشر مع مقاتلي محور المقاومة على تلك الجبهات، وكيف كان يعيش ويتأقلم مع مهمة ودور كل من هؤلاء المقاتلين او آمري الوحدات الصغيرة.

بنفس الوقت، الحاج الشهيد كان ذلك القائد الاستراتيجي في نظرته وفهمه للمعطيات الاقليمية والدولية لمعركة مواجهة الإرهاب. صقلت هذه الشخصية القيادية، خبرته في إدارة وتنسيق المعركة العسكرية الميدانية على الارض، وخبرته في إدارة وتنسيق مناورة ترجمة الأهداف الإستراتيجية على مسار تنفيذ الأعمال القتالية، فبرع في اختيار النقاط الحساسة والنقاط المؤثرة في كل المواجهات الفاصلة التي خاضها محور المقاومة، في القصير، في حلب المدينة، في أرياف حلب، على طريق أثريا – خناصر، في تدمر، حيث جهد لفك ارتباطها مع القلمون الغربي فسلسلة لبنان الشرقية. وأيضًا أعطى تركيزًا لافتًا لجبهة البوكمال في سوريا وامتدادًا الى القائم في العراق، بعد أن رأى من خلال حدسه الاستراتيجي الدقيق، أهمية خلق ذلك الارتباط بين وحدات محور المقاومة في تلك المنطقة، وبنفس الوقت، أهمية وضرورة فك ارتباط “داعش” بين سوريا والعراق انطلاقًا من تلك الجبهة، فكان القائد ذا الرؤية البعيدة، أكثر من فهم أهمية وحساسية تثبيت وحماية وتأمين الحدود السورية مع لبنان والحدود السورية مع العراق.

من هنا، ظهر البعد الإستراتيجي في نظرته العميقة للميدان الواسع في الصراع، في جميع الساحات التي تدخل فيها محور المقاومة، والتي انخرط فيها المحور في أصعب المواجهات ضد قوى اقليمية ودولية قادرة ومتمكنة، وأيضًا، من خلال ما يملك من بعد واسع وعميق، استطاع اختيار النقاط أو المواقع التكتية المؤثرة في تمتين وحماية ميدان المواجهة والدفاع عنه أولًا، ومن ثم التأسيس لانطلاقة الهجوم عبر خلق قواعد انطلاق المهاجمة والتقدم وتحري المناطق التي كانت محتلة من قبل الارهاب.

أيضًا، في فهمه للبعد القومي والوطني لأهمية حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، كان يملك – بمواجهة العدو الاسرائيلي – رؤية خلاقة لما يجب أن يتم العمل عليه كمحور مقاومة واسع، ولما يجب أن تخطط وتحضر له المقاومة الفلسطينية في غزة، والمقاومة اللبنانية (حزب الله) أيضًا، حيث ميدان المواجهة المباشرة مع العدو. فكان من خلال هذه الرؤية، القائد أو المخطط الملهم لتطوير أسس المقاومة من قطاع غزة  ومن جنوب لبنان. وكان له الباع الأول في دعم جميع الفصائل الفلسطينية، والتي أثبتت أيضًا أنها جاهزة لقتال الصهاينة المحتلين، وبفضل بصماته الخالدة، حيث كان من أوائل المساهمين في تطوير أسس المواجهة تلك، وكانت التداعيات الكارثية لمعركة سيف القدس على “اسرائيل”، وهي تداعيات كسرت غطرسة وقدرات الصهاينة، الذين يعيشون اليوم الهاجس الأخطر والتحدي الأكثر تأثيرًا وحساسية في معركة احتلالهم للأراضي الفلسطينية والعربية.

من هنا، يمكن القول إن هذه القدرات التي امتلكها الحاج الشهيد قاسم سليماني في المعركة والميدان وفي إدارة عناصر الصراع والمواجهة ضد العدو الصهيوني – الأميركي من جهة، والارهابي المرتبط ارتباطًا وثيقًا باستراتيجية المناورة الصهيونية – الأميركية من جهة أخرى، كانت من الأسباب الرئيسة التي دفعت بالأميركيين لاتخاذ قرار اغتياله، رغم خطورة هذا القرار وحساسيته وأبعاده التي كانت تحمل امكانية كبرى لمواجهة واسعة في كل المنطقة وغرب آسيا، بين الخليج واليمن وفلسطين المحتلة ولبنان والعراق وسوريا.

ولكن يبقى السبب الأساس الذي دفعهم لاتخاذ قرار اغتيال الشهيد قاسم سليماني هو “مدرسة قاسم سليماني” التي قامت على أسس حتمية وجوب مواجهة ومقاومة الأعداء والمحتلين مهما كانت قدراتهم وامكانياتهم، هذه المدرسة التي نشأت وتمددت وثبتت واستطاعت كسر المحرمات التي اعتقد الأميركيون وحلفاؤهم وخاصة الصهاينة، أنها ثابتة وأنه لن يجرؤ أحد على كسرها أو مواجهتها، والتي ينتظرها اليوم الاستحقاق الأقرب وهو فرض الانسحاب الأميركي من العراق، لأن هذا الاحتلال يجب أن ينتهي مهما كلف الأمر، ولأنه أيضًا، أصبح وعدًا مقدسًا لمحور المقاومة، بأن انهاء الاحتلال الأميركي للعراق سيكون حتمًا من نتائج اغتيال الحاج سليماني ورفيقه الحاج أبو مهدي المهندس.

المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي القناة

بإمكانكم إرسال مقالاتكم و تحليلاتكم لغرض نشرها بموقع الغدير عبر البريد الالكتروني

[email protected]

شاهد أيضاً

بمشاركة الاعلام والاتصالات .. المجلس الأعلى للشباب يطلق استراتيجية محو الأمية الرقمية

أعلن المجلس الأعلى للشباب، اليوم الاثنين، عن تأسيس نوادٍ للذكاء الاصطناعي بثلاثة مواقع في بغداد، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *