يبدو أن معركة مأرب تجاوزت، بالفعل، ما يتم تداوله إعلامياً، بوصول قوات الجيش واللجان الشعبية إلى «محاذاة البيوت» داخل المدينة، بعدما كانت خلاياها قد سبقتها إلى هناك، محضرة الأرضية لعملية إطباق السيطرة على مركز المحافظة.
والظاهر أن ما يؤخر إلى الآن، إتمام «الثلث الأخير» من المعركة، هو حرص الجيش اليمني واللجان الشعبية على عدم الدخول في معركة وسط الأحياء، الأمر الذي تدعمه أيضا القبائل المأربية، التي بات موقف سوادها الأعظم حاسما في الوقوف إلى جانب قوات الجيش واللجان الشعبية.
ومع إدراكها اقتراب ساعة الحسم وحتميتها، خلافا للسرديات المروجة إعلاميا والتي تتركز حصرا على خسائر الجيش واللجان، تحاول السعودية عكس مسار الأمور على الأرض، عبر خطوات «يائسة» من مثل إعادة إدخال صنعاء ومطارها في دائرة النار.
وعلى المقلب الآخر، تتطلع «أنصار الله» إلى ما بعد مأرب، حيث يشكل الساحل الغربي إحدى الوجهات التي يمكن أن تتحول إليها فوهة الجيش واللجان، في ظل إصرار أميركي – إسرائيلي – إماراتي، على «استيطان» منطقة باب المندب، وهو ما لا يمكن البتة أن ترضاه صنعاء، التي يبدو أنها تعد العدة لعملية «تحرير البحر» كما البر، الذي ظلت مشغولة به طيلة السنوات الماضية.
«ما بعد مأرب ليس كما قبله»؛ قد تكون هذه العبارة هي الوحيدة المجمع عليها يمنيا، من بين أطنان الملفات الخلافية التي تبدأ من النظرة إلى الحرب وأسبابها ومآلاتها، وصولا إلى دور اليمن في المنطقة والإقليم.
لا تكمن أهمية حسم هذه المعركة في كون ذلك سيتوج رسم المشهد اليمني الجديد بأيدي المنتصرين في الميدان فحسب، بل في أنه سيفتح أيضا آفاقا واسعة نحو حل أو تسوية شاملة، في حال تخلي السعودية عن المكابرة والسعي لإطالة أمد المواجهة، في انتظار أن تتهيأ شروط وظروف تخفف من وطأة الحسم المرتقب في المدينة.
قصف مطار صنعاء في الأيام الأخيرة، «هو واحد من وجوه سياسات المكابرة تلك، في محاولة لكسب أوراق ضغط إضافية تحسن موقف السعودية خلف الكواليس، وهو أيضا أحد أهداف التخريب المتعلق بمرحلة ما بعد مأرب، عبر وضع معادلة إنهاء التصعيد في صنعاء مقابل فتح آفاق التفاوض المتعثر والمتعلق بمصير مأرب»، وفق ما تقرأ حركة «أنصار الله» التطورات الأخيرة.
الحديث عن حصار مأرب من الشمال والغرب والجنوب، تجاوزته التطورات الميدانية المسجلة في الأيام الأخيرة. تفيد مصادر مطلعة، «الأخبار»، بأنه مع سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على الأبلاق الثلاثة (القبلي والأوسط والشرقي)، والتي تتوسط الجبهتين الجنوبية والجنوبية الغربية، أصبحت هذه القوات بالفعل «في محاذاة البيوت داخل مدينة مأرب».
وفي انتظار قرار القيادة في العاصمة، فإن «قوات صنعاء متغلغلة داخل المدينة، وتدير خلايا نائمة منذ ما قبل بدء المعركة بوقت طويل، وتقوم بأعمال الرصد العسكري والمراقبة الحثيثة لكل ما يفيد المعركة وتفاصيلها»، وفق تأكيد المصادر نفسها.
إذا، لا قرار من صنعاء بعد بالدخول العسكري (الرسمي) إلى مركز المحافظة؛ فالعمل الجاري حاليا حوله وعلى تخومها يحقق أهدافه المرجوة، فيما «لم تبق عمليا سوى مسافة قصيرة جدا تفصل الجيش واللجان عن خط النهاية في المدينة».
ومن هنا، تصف المصادر الوضع الحالي بـ«الثلث الأخير، حيث لن يكون أمام قوات (الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور) هادي والمرتزقة من خارج المدينة، سوى الاستسلام»، جازمة أن أبناء مأرب وقبائلها «حريصون جدا على عدم جر مناطقهم إلى حرب شوارع يمكن أن تدمر بناها التحتية والمشاريع الاستثمارية فيها.
ولذا، فقد بعثوا برسائل كثيرة إلى صنعاء يعلنون فيها ترحيبهم بدخول قواتها مدينتهم، ويعلنون رفضهم تواجد المسلحين الغرباء فيها»، بل إن رفض القبائل التجاوب مع جهود التحشيد التي تبذلها حكومة هادي، ومن خلفها التحالف السعودي – الإماراتي، أجبر الأخيرين على استقدام تعزيزات من نجران، عبر الجوف، إلى مأرب.
على أن حرص صنعاء على عدم جر مركز المحافظة إلى حرب شوارع، لا يعني أن الوضع القائم حاليا قبل الإعلان عن استسلام مأرب أو سقوطها سيطول، إذ إن القرار لدى حركة «أنصار الله» واضح وحاسم بوجوب «إنهاء وضع المدينة سريعا وبالطرق المناسبة». انتهى
ت/ س