“اختفاء أموال” و”تعثر الرواتب”.. ما حقيقة الوضع المالــــي في العــــراق؟

تشهد الساحة العراقية خلال الأيام الأخيرة موجة واسعة من “الشائعات” المتعلقة بـ”اختفاء أموال” و”تعثر الرواتب” و”قطع الأرزاق”، ما أثار مخاوف الشارع حول الوضع المالي في البلاد.

وتداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً أنباء عن اختفاء مبلغ يقدر بـ 2.5 تريليون دينار (قرابة ملياري دولار) من صندوق الرعاية الاجتماعية التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، إلى جانب تأخير مؤقت في صرف أجور موظفين في بعض المؤسسات الحكومية لعدة أيام، وسط مخاوف من “قطع الأرزاق” نتيجة الضغوط المالية الكبيرة التي يعاني منها العراق.

وتتزامن هذه المخاوف مع فوضى الخطاب الاقتصادي على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وتضارب التوقعات حول مستقبل سعر الصرف والقدرة المالية للدولة، رغم تطمينات حكومية وبيانات رسمية تؤكد أن الوضع المالي تحت السيطرة وأن الرواتب مؤمنة.

“إشاعات زائفة”

وفي هذا السياق يقول المستشار المالي لرئيس حكومة تصريف الأعمال، مظهر محمد صالح، إن ما يجري تداوله يدخل ضمن “موسم سياسي محتدم تكثر فيه الإشاعات السالبة ضد العراق”، مشدداً على أن معظم ما يُثار لا يستند إلى حقائق.

ويضيف صالح أن العراق يمتلك إمكانات مالية عالية، تشمل عائدات نفطية جيدة وإيرادات غير نفطية، وأن الحكومة تضع الرواتب والأجور والمعاشات والرعاية الاجتماعية على رأس أولوياتها، موضحاً أن أي تأخير في الدفع يكون فنياً وبسيطاً ويحدث أحياناً.

ويشير إلى أن موجة التهويل الحالية أدخلت المواطنين في حالة قلق غير مبررة، مؤكداً أن “العراق ليس بلداً محاصراً ولا يعيش حرباً، والسياسات المالية والنقدية تعمل على ضمان العيش الكريم، من السلة الغذائية إلى الرواتب والبنى التحتية، وكل ما يُثار حول قطع الرواتب أو خفض قيمة الدينار أو انهيار اقتصادي هو أكاذيب في أكاذيب”، على حد تعبيره.

كما يدعو صالح إلى خفض التحليلات السالبة التي تؤثر نفسياً على المواطنين، مؤكداً قدرة الدولة على حماية الأمن الغذائي والمالي، وأن الهيئات الاقتصادية تعمل وفق مسؤولياتها.

استقرار الدولار

من جهته، يوضح عضو المكتب الإعلامي في البنك المركزي العراقي، علاء الفهد، أن البنك لا يمتلك أي نية لتغيير سعر الصرف الرسمي، مشدداً على أن استقرار السعر يمثل ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي.

ويقول الفهد أن السياسة النقدية الحالية والمستقبلية للبنك المركزي تتمحور حول الدفاع عن سعر الصرف الحالي (1320 ديناراً للدولار) لدعم ثقة المواطنين بالجهاز المصرفي وتعزيز الالتزامات الدولية للعراق.

ويلفت إلى أن استقرار سعر الصرف أسهم في انخفاض معدلات التضخم إلى مستويات شهرية سالبة، ما انعكس إيجاباً على استقرار الأسعار.

وبخصوص السوق الموازية، يبيّن الفهد أن ارتفاعاتها تمثل مضاربات مبنية على الأخبار والشائعات، مؤكداً أن البنك مسؤول عن تمويل التجارة الخارجية بالسعر الرسمي وتلبية جميع الطلبات الرسمية على الدولار.

مخاطر اقتصادية

في المقابل، يحذر الخبير الاقتصادي نوار السعدي من أن الحديث عن اختفاء الأموال وتصاعد مخاوف قطع الأرزاق ليس مجرد قضية فساد عابرة، بل مؤشر خطر على الاقتصاد الوطني إذا لم تتحرك الدولة والمؤسسات الرقابية بسرعة.

ويشير السعدي خلال حديثه إلى أن العراق يواجه ضغوطاً مالية هيكلية، مع تراجع القدرة على مواجهة الصدمات، ووجود تراكمات إدارية ومالية تزيد هشاشة الحسابات العامة وتضعف الثقة بين المواطن والدولة.

ويقول إن غياب الشفافية والحوكمة يؤدي إلى تآكل الخدمات العامة وارتفاع كلفة الإنفاق، ويزيد البطالة وخطر الاحتجاجات إذا لم يشعر الناس بتحسن ملموس في معيشتهم.

ويدعو إلى إجراءات عاجلة ومتكاملة تشمل إعلان الشفافية في الملفات المالية المتنازع عليها، وإطلاق تحقيقات مستقلة وعلنية، وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية النقدية للفقراء، وإصلاح الجمارك والضرائب لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وعلى المدى المتوسط، إعادة هيكلة الأجور والإنفاق العام واستثمار الموارد في القطاعات الإنتاجية لكسر الاعتماد على النفط والحد من الهدر.

حوكمة الاقتصاد

وفي قراءة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي كريم الحلو أن معالجة الهواجس والتحديات الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق دون إصلاح حقيقي يقوم على مبدأ الحوكمة الشاملة.

ويقول الحلو إن “الأموال العامة وأموال المجتمع يجب أن تكون داخل البنوك والمصارف، وهذه هي القاعدة التي تمنع الأزمات المالية وأزمات السيولة”.

ويؤكد أنه بدون هذا الإجراء لن يتحقق أي إصلاح فعلي، مبيناً أن العراق متأخر في هذا الجانب “إما عن قصد أو بسبب الجهل الإداري أو نتيجة الفساد”، ما يجعل الاقتصاد عرضة للاهتزاز أمام أي أزمة أو إشاعة.

شاهد أيضاً

منتخبنا الوطني بالزي الأبيض بمباراته أمام نظيره السوداني في كأس العرب

عُقد اليوم الجمعة، المؤتمر الفني لمباراة العراق والسودان المقرر إقامتها يوم غد السبت ضمن منافسات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *