الكاتب || يونس الكعبي / باحث في الشأن السياسي
لا شك أن الانتخابات ظاهرة حضارية، تبيّن أن الأمة تسير في الاتجاه الصحيح، وتطبق معايير الحكم السليم والتداول السلمي للسلطة. وقد اتخذ العراق هذا الطريق الديمقراطي بعد عام 2003، لإنتاج برلمان وحكومة منتخبة تنبثق منه.
ورغم مرور أكثر من عشرين سنة على هذه التجربة، إلا أننا ما زلنا في بداية الطريق نحو ممارسة شاملة وخلاقة تستطيع تغيير نمط الحياة السياسية في العراق. ولعل توجيهات المرجعية الدينية العليا كان لها الفضل الكبير في التمسك بهذا المسار، لكونه الطريق الأسلم الذي يحفظ السلم المجتمعي ويمنع التفرد بالسلطة.
لكن هذه التجربة شابها الكثير من السلبيات، تمثلت في استغلال سلطة البرلمان لتعميق الانقسام في الحياة السياسية والاجتماعية في العراق. فأصبحت الطبقة البرلمانية في شبه عزلة عن المجتمع والمواطن؛ إذ لا يلتقون بهم إلا في موسم الانتخابات. هذه الظاهرة السلبية انعكست سلبًا على نفسية المواطن،
ما أدّى إلى عزوفه عن المشاركة وتنازله عن حقه الدستوري، لأنه أصبح يلمس أنه لا تغيير حقيقي، وأن لا ضوء يلوح في نهاية النفق. وتطورت هذه المقاطعة لتبلغ نسبتها ما يناهز 80% من الناخبين، وربما تزداد هذه النسبة مع كل ممارسة انتخابية.
مقاطعة التيار الصدري
في هذه الانتخابات لعام 2025، برزت المقاطعة السياسية لتيار مهم هو التيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر، وبعض التيارات السياسية الأخرى، رغم المحاولات العديدة لإقناعه بالعودة إلى العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات القادمة.
بيد أن هذا التيار وزعيمه مُصِرّون على المقاطعة الشاملة لهذه الانتخابات، في ظاهرة جديدة على الحياة السياسية في العراق.
كانت المقاطعات السابقة مقتصرة على تيارات صغيرة، أو معارضة للعملية السياسية، أو أشخاص ليس لهم دور واسع في العملية السياسية. لكن بروز تيار كبير ومؤثر مقاطع، كالتيار الصدري، يعد ظاهرة تستحق التوقف عندها وتحليل أبعادها ونتائجها، سلبًا وإيجابًا.
إن غياب أي جهة سياسية عن الانتخابات يمثل خللاً واضحًا واحتجاجًا ضمنيًا أو علنيًا على العملية السياسية، وهذا ما صرح به التيار الصدري؛ إذ أعلن سخطه على طريقة إدارة البلاد وما نتج عن هذه الإدارة من سوء حكم وفساد مالي وإداري استشرى في جسد الدولة العراقية وأصبح من الصعب معالجته.
وبين مؤيد ومعارض لموقف التيار الصدري، ما زالت الكتل السياسية تتنافس على الانتخابات بشكل لافت للنظر، ورُشّحت أعداد كبيرة ضمن قوائم كثيرة استعدادًا للانتخابات القادمة.
مقاطعة الفاسدين: رؤية بديلة
وفي خضم هذا الجدل حول جدوى المقاطعة من عدمها، نرى أن المقاطعة حق دستوري كفله الدستور العراقي، يحق لكل شخص أو كيان استخدامه وفق رؤيته.
ولكن المقاطعة بالكامل للعملية الانتخابية تترك الباب مفتوحًا أمام الفاسدين للوصول إلى قبة البرلمان، وبذلك نفقد فرصة إصلاح ما يمكن إصلاحه. ولتحقيق الفائدة المرجوة من هذه المقاطعة، يجب مقاطعة من يثبت فساده أو سوء إدارته كأشخاص، والعمل على التثقيف في هذا المجال، بحيث نقطع الطريق على هؤلاء الفاسدين ونفوت عليهم فرصة الصعود إلى البرلمان.
وفي الوقت نفسه، ندعم من نراه مؤهلاً لهذا المكان، من أي قائمة كانت، لتتشكل كتلة من الشرفاء بعد الانتخابات داخل البرلمان، تكون قادرة على إدارة البيت التشريعي بما يخدم مصالح البلد والشعب. وبهذا، نُحْبِطُ محاولات الفاسدين ونمنح فرصة للكفاءات لتكون تحت قبة البرلمان القادم.
قناة الغدير الفضائية قناة اخبارية مستقلة