هجوم الدوحة.. صفعة كرامة، فهل يصحو العرب والمسلمون؟!

الكاتب || القاضي حسين بن محمد المهدي

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).

بالأمس القريب، اختتم مؤتمر القمة العربية الإسلامية بالدوحة أعماله، وتضمن بيانه إدانةً للهجوم الإسرائيلي على الدوحة، إلى جانب نقاط أخرى اشتمل عليها البيان. ونأمل أن تكون بداية ضرورية لتحرك عربي إسلامي يكون أكثر إيجابية وفاعلية؛ لأن البيان وحده غير كافٍ لردع إسرائيل عن الاستمرار في أعمالها العدائية، وإن عبر عن موقف سياسي موحد،

ما لم تتبعه إجراءات قانونية وسياسية وعسكرية مشتركة تردع إسرائيل. وعلى رأس هذه الإجراءات: اتخاذ خطوة دبلوماسية لقطع علاقات المطبعين مع إسرائيل وسحب السفراء، والتحرك القانوني بشكل جماعي إلى محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وفرض عقوبات اقتصادية على الشركات والأفراد الإسرائيليين الذين يدعمون العدوان،

والعمل على عزل إسرائيل سياسيًّا في المحافل الدولية، ولفت أنظار العالم والبيت الأبيض بأن هجومًا كهذا على وسيط تشكل أمريكا طرفًا فيه يوحي بوجود خيانة أمريكية؛ لأن إسرائيل يقصر باعها عن التطاول على مجلس التعاون الخليجي ما لم تكن الإدارة الأمريكية داعمة لها. وكان الواجب السياسي والأخلاقي يفرض على أمريكا -لو كان هناك مصداقية- حماية قطر كوسيط. ورغم حدوث الهجوم، فإنه كان من المتعين على أمريكا الضغط على إسرائيل بتوجيه اعتذار علني وفوري لدولة قطر.

وكان على قطر أيضًا -باعتبارها وسيطًا- أن تسعى بكل الوسائل للحفاظ على سمعتها ومكانتها بشكل أكبر صرامة مما عملته في مجلس الأمن وفي حشدها للزعماء إلى قطر. فلا بد للحكومة القطرية من أن تظهر لشعبها ولجيرانها ولإسرائيل أنها ليست طرفًا ضعيفًا يمكن استهدافه دون عواقب، ويجب أن تكون التكلفة السياسية للهجوم الإسرائيلي على قطر عالية جدًّا. ومع عدم القدرة على الرد العسكري، فإن الرد القوي سياسيًّا واقتصاديًّا هو الذي يجعل إسرائيل وحلفاءها يدفعون ثمناً باهظًا؛ لأنهم أهانوا الوسيط الوحيد القادر على إنهاء الحرب في غزة.

فالهجوم الإسرائيلي على أهداف داخل العاصمة القطرية الدوحة يمثل انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة قطر وسلامة أراضيها. فهذا العدوان -الذي أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عنه- يشكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية؛ حيث لم يكن هناك احترام لحرمة الأراضي الوطنية لدولة ثالثة تلعب دورًا دبلوماسيًّا. فقد جاء الهجوم ليشكل هدفًا مباشرًا لإحباط جهود الوساطة وتدمير القنوات الدبلوماسية. الذي يسعى إلى ذلك ما يؤكد أن إسرائيل لا ترغب في التوصل إلى حل سلمي وإنهاء الحرب.

فقد أظهر الهجوم عدم جديتها في ذلك، وإنها لا ترغب في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وإنها تفضل الخيار العسكري، مستضعفةً لساسة الأمة العربية والإسلامية، ومعتمدةً على الدعم الأمريكي.

فهذا الهجوم يمثل رسالة تحدي إقليمية؛ فهو ليس مجرد عمل عسكري فحسب، بل هو رسالة سياسية إلى المنطقة بأسرها. تهدف إسرائيل من خلاله إلى إظهار قوتها العسكرية، وتأكيد هيمنتها الإقليمية، وتحدي دول العالم العربي والإسلامي كله، خاصة تلك التي تدعم القضية الفلسطينية. وهذا ما أكده كوهين في تصريح له بوصفه للقمة العربية بالفارغة، وبقوله: إن إسرائيل تتوجه في ضرب اليمن في هذه الأثناء، ويقول: هيا لنرى ماذا ستفعلون؟ أرونا نخوتكم.

وإذا كانت قطر قد بنت سمعتها الدولية على كونها وسيطًا موثوقًا به، وقادرًا على فتح قنوات اتصال عندما يفشل الآخرون، فإن هذا الهجوم المباشر على أراضيها وجهود وساطتها قد دمر ما كانت تسعى إليه. وإذا لم ترد قطر بشكل واضح وقوي، فإنه قد يفسر ذلك على أنه ضعف أو قبول للإهانة، مما قد يشجع على المزيد من الانتهاكات، ويقوض موقعها كطرف قوي في المفاوضات المستقبلية إن حصلت.

وللمحافظة على مكانتها، يمكنها اتخاذ كثير من الوسائل، نشير إلى بعض منها:

· الضغط الاقتصادي والمالي: تملك قطر واحدة من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وتستثمر بشكل هائل حول العالم، ويمكنها استخدام هذه القوة الاقتصادية للتأثير على الداعمين لإسرائيل، مثل بعض الحكومات والشركات في الغرب، من خلال:
· إعادة تقييم الاستثمارات في دول تدعم الهجمات بشكل مباشر.
· التهديد بسحب الاستثمارات أو إعادة توجيهها.
· استخدام نفوذها في أسواق الطاقة (الغاز الطبيعي المسال) كرافعة سياسية غير مباشرة.
· إعادة النظر في أي علاقات تجارية أو تفاهمات دبلوماسية مع إسرائيل.
· تقديم الدعم الإنساني بسخاء لحماس.
· تقديم الدعم لمحور المقاومة، وعلى وجه الخصوص أنصار الله وحزبه في اليمن ولبنان.
· الاستمرار في حشد الدعم الدبلوماسي والعربي: مستغلةً في ذلك الغطاء الأخلاقي والقانوني الذي توفره الوساطة الإنسانية، إلى غير ذلك.

فإذا أظهرت قطر أنها قادرة على الدفاع عن مصالحها ومواقفها بصلابة، فإن ذلك مما يعزز موقفها إقليميًّا ودوليًّا.

ونأمل أن يكون مؤتمر الدوحة بداية ليقظة عربية إسلامية تهدف في القريب العاجل إلى الوحدة والاتحاد، وإيجاد جيوش عربية موحدة مزودة بأحدث الأسلحة، يكون من مهامها الرئيسية حماية الأقطار العربية والإسلامية، وصد أي هجوم يقع على أي قطر إسلامي بقيادة موحدة، وتحرير الأقصى الشريف. لتكن قد شاركت يمين الإيمان والحكمة في مواجهة الطغيان الصهيوني، وإنقاذ الشعب الفلسطيني المظلوم. (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

شاهد أيضاً

مطار بغداد الدولي يستوعب أكثر من 8 ملايين مسافر ضمن مشروع تطوير موسع

تسعى الجهات الحكومية المختصة إلى جعل مطار بغداد الدولي بحلته الجديد يستوعب أكثر من ثمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *