كيف نقرأ كتابا من صفحته الأخيرة، ثم نمضي صعودا الى صفحاته الأولى؟!
مقال للكاتب | عمار محمد طيب العراقي
هل نستطيع أن نفهم الأحداث بالمقلوب ايضا، وهل سيكون هذا الفهم كافيا لأن نفهم الأمور على حقيقتها، وليس على فاعلية تأثيراتها؟!
القراءة المقلوبة تحيلنا الى سؤال أهم بكثير، هو هل كان الحشد الشعبي، وأعني قياداته العليا، متوقعة للموقف الأمريكي، الذي ناصب الحشد الشعبي عداءه، ثم لماذا العداء للحشد الشعبي؟ ولماذا هذا الموقف المضاد في لقمة أطفالنا، ونحن على الأقل لسنا “جيران” للأمريكان، بل لماذا هذا الموقف المعاد لنا علنا، لا سيما أننا كنا نقاتل تنظيم داعش ألأرهابي، وهم قالو أنهم يقاتلونه؟!
ويحيلنا السؤال الى حقيقة ثانية أغمضنا أعيننا عنها، ونحن نمضي بقتال التنظيم الإرهابي، لنعرف أن هذا التنظيم الذي كتا نقاتله ما هو إلا الصفحة الثانية، من كتاب تنظيمات إرهابية تعمل وعملت، بتوجيهات وتمويل الذي امر بقطع التمويل عن الحشد الشعبي، لأن مالنا وبغباء شديد ما يزال عنده، بل ونمضي قدما بالتصويب التحليلي، لنكتشف عمقا أن قيادات “غلاف” الحشد الشعبي الأعلى، كانت على دراية تامة بهذا التوصيف، ولكنها أغمظت أعينها أو فعلت ذلك رغبة أو كرها..!
كان هذا المُكتشف الأول المعروف، في سلسلة قطع تمويل الحشد الشعبي، ولن يكون الأول كما لن يكون الأخير، لنكتشف أن الحشد الشعبي تم تلغيمه بقطعات ليست منه أبدا، بل هي بالحقيقة تأتمر بأمرة تركية مباشرة، بعض هذه القطعات معنا وليست منا، تلبس لباسنا ولكن أمرتها كانت بيد الإردوغان السلطاني شخصيا..!
ألم أقل لكم أن اللعبة كبيرة، وأنها تهدف ليس الى كسر أجنحة الحشد الشعبي، بل كان الهدف وما يزال هو” تكسير” الحشد ذاته، وتكشف بوضوح أن تكسير الحشد الشعبي، يعني أولا تكسير قيادة الحشد الشعبي، بإثقالها بأوضاع فوق قدرتها فنيا وأداريا، وأنها بعد هذا الثقل الكبير؛ ستستسلم تحت وطأة الضغوطات، أو تمضي الى الصفحة الثانية أي الى المنشار الأمريكي!
لكنا ونحن نحلل المنشار ومن بيده المنشار والقاطع والمقطوع، نلبث قليلا لنفهم أننا جئنا الى الحشد الشعبي، يوم لم يكن يمتلك مالا، وكنا فقط رجال بأسلحة قليلة بالية، وبفتوى الجهاد الكفائي المقدس، ولكن قيادتنا الشهيدة كانت قبلنا في ساحات الموت، وكان ملعبنا هو الصبر والقدرة على الثبات والتعالي على المكاسب..
في هذه الأثناء لم نكن نلعب إلا لعبة الإنتصار على الموت، لعبة لم تمر على “أفلام” الاستقطاب والتعيينات الجارية الآن، والتي لم تمر عبر قنواتها الصحيحة المنتجة الخادمة ابدا، لكننا كنا ننتصر دائما على الموت وأولنا قادتنا الشهداء.
كنا “نضطهد” الموت بأولويات رسمتها لنا المرجعية الدينية المباركة، وكنا وما نزل، نجري مراجعات مخلصة لمدى فاعلية برامج التاهيل النفسي والفكري، المعتمدة لمن تم تعيينهم في السنوات التي اعقبت التاسيس والجهاد، لكتها مراجعات ليست كافية إزاء زخم الإستهداف المعادي.
مضينا كثيرا متلحفين بالإيمان ونحن نستذكر ايام العشر من محرم الحرام، ما ورد عن السيدة زينب (عليها السلام) يوم خاطبت الإمام الحسين (عليه السلام) أخي: هل اختبرت أصحابك؟ فإني أخاف أن يسلموك عند الوثبة؟!
هذا القول يكشف عن القيادة الثاقبة، تجاه بعض الرجال عند لحظة المواجهة الفاصلة، لكنها رغم ذلك، حين سمعت رد الإمام بأنهم موت محتوم بإنتصار، ونكتشف بلا مواربة أن صنعتنا الإنتصار، ولذلك أطمأنت الحوراء”ع” الى غدها الذي هو نحن بأذنه تعالى، وأكتشفت أن الحسين “ع” منتصر دائما.
اللعبة الأمريكية بـ”تفليس” جيوبنا ستتزين بزينة الهزيمة القاحلة، وسنرتدي لباس الإنتصار، لكننا ونحن ننتصر سنرتب أوضاعنا بثبات المؤمنين، وسنغير إعدادات كتابنا من أعلاها الى أسفلها، وستتقحل كل الزيادات المريضة، وستختفي معها آثار التخطيط الا سليم، وسيبقى قوله تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ سورة آل عمران، الآية 154.
هذا الموقف يعكس الرؤية القرآنية، من أن الجهاد ليس مجرد شعار بل هو اختبار يكشف صدق الإيمان وثبات الولاء .
قصتنا نحولها دائما الى أنتصار لا يرونه ابدا..سنذهب الى تخومنا نعيد فيها بناءاتنا، ونضعها على طريقنا السليم الأسلم، وسنوضبها مثلما يريد قائدنا الذي لا يرونه ولكننا نراه، وسنعيد ترتيب الأولويات مثما وضبها لنا صاحب فتوى الجهاد الكفائي، وسنقاربها بعمق المؤمنين الذين لا يبحثون على مال أو مآل أو عطاء، بل يريدون بندقية حتى لو كانت صدئة..!
قناة الغدير الفضائية قناة اخبارية مستقلة