العزوف الانتخابي: تهديد صامت للنظام الديمقراطي والتوازن الوطني

ما تزال المشكلة الكبرى التي تهدد الانتخابات العامة هي ظاهرة زيادة نسبة العزوف عن المشاركة فيها.
والعزوف ليس ظاهرة مزاجية عابرة، بل هو قرار جماهيري نابع من شعور عميق بالخيبة من عدم تحقيق الأهداف التي قام من أجلها النظام السياسي الجديد، وإن كانت هناك بوادر لنهضة كبيرة يمكن ان تصحح المسار لتحقيق الأهداف في مكافحة الفساد ومعالجة الإخفاقات في الأداء التنفيذي .
وموقف الأمة ـ في كل الأحوال ـ موقف محترم، فهي الغاية وهي الوسيلة في النظام الديمقراطي.
لكن على المدى البعيد، سيكون لقرار العزوف آثار خطيرة فالانتخابات يجب أن تستمر بقوة وبأعلى نسبة مشاركة ممكنة، لأن بقاء النظام الديمقراطي واستمراره وتطوره في هذه البلاد مرهون بأستمرار الانتخابات .
فالعزوف المستمر يضعف علاقة الجمهور بالنظام السياسي ويؤدي إلى تآكل هذا النظام، بل ويفتح الطريق تدريجيًا للعودة إلى الدكتاتورية والاستبداد.
كما أن العزوف في أوساط مكون اجتماعي معين قد يقابله إقبال واسع في أوساط مكون آخر .
وهذه الدولة، دولة مكونات، وليست العلاقة بين مكوناتها دائمًا علاقة تكامل؛ بل قد تتحول أحيانًا إلى علاقة تنافس مشروع وسلمي وهذا يعني أن التفوق العددي الانتخابي لأي مكون قد يُترجم إلى تراجع في حضور وتأثير المكون الآخر .
وبتعبير آخر: ما يُعد فرصة لأحد المكونات قد يُعد تهديدًا للمكون الآخر.
لذلك، فإن المشاركة الواسعة في الانتخابات ليست فقط واجبًا ديمقراطيًا، بل هي ضرورة وطنية لحفظ التوازن بين المكونات، وحفظ هذا التوازن ضروري بدوره لحفظ السلم الأهلي.
وهناك سببٌ آخر يجب أن يدفع الناس للمشاركة بقوة في الانتخابات، وهو سد الفراغ فالفرد الذي يقرر عدم المشاركة، إنما يترك فراغًا قد يملأه مخالف أو منافس أو حتى عدو فجميع الشرائح والاتجاهات تشارك في الانتخابات، ومنذ التغيير في العراق، بدأنا نرى كيف أن أعداء النظام الجديد من طائفيين، وإرهابيين، وصداميين، يتحدثون عن تغيير النظام عبر صناديق الاقتراع وهم يتحدثون بهذا الطرح ـ الذي يبدو مشروعًا ـ أكثر من الذين أسسوا هذا النظام وضحّوا من أجله.

بل إن هناك عواصم في المنطقة ترعى هذا الاتجاه وتحتضنه، وتنفق المليارات لتنفيذ خطته لذلك، يمكن إجمال المخاطر الكبرى للعزوف الانتخابي في هذه النقاط:
– يهدد بقاء النظام الديمقراطي، ويفتح الأبواب لعودة الدكتاتورية.
– يؤدي إلى اختلال التوازن العددي بين المكونات الاجتماعية.
– يسهّل استخدام صناديق الاقتراع من قبل الصداميين والطائفيين للعودة إلى السلطة.

مركز بدر للدراسات الاستراتيجية

شاهد أيضاً

الانواء الجوية:استمرار فرص هطول الأمطار في مناطق متفرقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *