نجح فريق من العلماء في توليد كمية ضئيلة من الكهرباء عبر استغلال دوران الأرض في مجالها المغناطيسي، في خطوة قد تمهّد الطريق نحو تطوير مصدر جديد للطاقة النظيفة.
طُرحت فكرة توليد الكهرباء من المجال المغناطيسي للأرض منذ قرون، إذ اقترح العلماء أن الفرق في السرعة بين جسم يتحرك داخل مجال مغناطيسي والمجال نفسه يمكن أن يؤدي إلى توليد فرق جهد كهربائي، أي ظهور تيار كهربائي.
غير أن دراسات سابقة شككت في هذه النظرية، معتبرة أن الإلكترونات داخل الجسم المتأثرة بالمجال المغناطيسي ستعيد ترتيب نفسها بسرعة، ما يمنع نشوء فرق في الشحنة. لكن تجربة حديثة قدّمت دليلا جديدا يدعم الفكرة.
وأُجريت التجربة بإشراف فريق بحثي من جامعة برينستون ومختبر الدفع النفاث التابع لناسا، حيث تضمنت استخدام أسطوانة مجوفة بطول 29.9 سم مصنوعة من فيريت المنغنيز والزنك، وهي مادة مختارة لقدرتها على تحفيز حركة المجالات المغناطيسية. ووُضعت الأسطوانة في مختبر مظلم تماما، بلا نوافذ، لتجنب أي تأثيرات خارجية، وثُبتت بزاوية 90 درجة على محور دوران الأرض ومجالها المغناطيسي (أي “مائلة” بشكل يجعلها لا تصطف مع أي من الاتجاهين – لا مع محور دوران الأرض ولا مع المجال المغناطيسي – بل تقطع هذين الاتجاهين بزاوية قائمة).
ورغم بقاء الأسطوانة ثابتة داخل المختبر، فإن دوران الأرض عبر مجالها المغناطيسي تسبب في تطبيق قوة مغناطيسية على الإلكترونات داخلها. وأظهرت القياسات تسجيل جهد كهربائي بلغ 19 ميكروفولت. وعند تغيير زاوية الأسطوانة أو استبدالها بأخرى، اختفى هذا الجهد، ما أكد أن التأثير ناتج عن دوران الأرض نفسه.
ووصف العلماء هذه النتائج بأنها “إثبات مبدئي للمفهوم”، مشيرين إلى أنها قد تشكّل نقطة انطلاق لدراسات مستقبلية تهدف إلى توليد كميات أكبر من الكهرباء باستخدام المجال المغناطيسي للأرض.
نشرت الدراسة في مجلة أبحاث المراجعة الفيزيائية، حيث تساءل العلماء: “هل يمكن توليد الكهرباء من دوران الأرض عبر مجاله المغناطيسي؟”. وأوضحوا أن التجربة نجحت في توليد تيار وجهد مستمرين، بما يتوافق مع التوقعات النظرية.
يذكر أن الاهتمام يتزايد عالميا بتطوير مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، خاصة في ظل السعي للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط. وتبرز الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كمصادر رئيسية للطاقة المتجددة، إلى جانب الطاقة الحرارية الأرضية التي تستغل حرارة باطن الأرض، والطاقة الكهرومائية التي تعتمد على تدفق المياه.
وفي المقابل، يكتسب التوجه نحو الطاقة النووية زخما متزايدا، حيث توفر حاليا حوالي 10% من الكهرباء عالميا، وفقا للرابطة النووية العالمية. وعلى الرغم من أن الطاقة النووية غير متجددة نظرا لمحدودية الوقود المستخدم، إلا أن كميات صغيرة منه كافية لإنتاج كميات كبيرة من الكهرباء، ما يجعلها خيارا واعدا في التحول نحو مستقبل أكثر استدامة.