د. عامر الطائي ||
إن الحديث عن أبي مهدي المهندس حديثٌ عن رجلٍ ليس ككل الرجال، وعن قائدٍ تجلى في أفعاله كل معاني البسالة والوفاء. لقد عاش حياته متصدياً لمظالم الزمان،
مقارعاً لظلمات الطغيان، حتى غدا اسمه رمزاً للثبات والصبر في سوح القتال.
لقد حدّث الشهيد أبو مهدي المهندس بما يليق بجلال الفداء، حين قال: “طال بي العمر وشاب رأسي ولحيتي، وأدعوا الله أن تكون عاقبتي الشهادة.”
فكأنما كان يعلم أن روحه قد كُتبت لها نهاية مشرقة على أفق الكرامة، نهايةٌ لا ينالها إلا من جعل الحياة جسراً يعبر به إلى الخلود.
كان أبو مهدي المهندس رجلاً من صنف نادر، جمع بين العقل المدبر في ساحات الحرب والقلب الرحيم في محافل الناس.
فهو الذي طاف الميادين كمنارةٍ تنير الدروب، وتتصدى لكل عدو ظالم. فمنذ معاركه الأولى وحتى مواجهته الأخيرة مع فلول الإرهاب، ظل المهندس شاهداً على انتصار إرادة الحق، ومؤمناً بأن الدفاع عن الوطن دينٌ لا يسقط بالتقادم.
وإن أعجب الناس من أمره، فليعجبوا من تواضعه رغم عظمة إنجازاته، ومن زهده في الدنيا رغم بسطة يده فيها.
لقد كان الرجل يخشى أن تدركه المنية وهو بعيد عن ساحات الجهاد، وكأنه لا يريد إلا أن يكون في قلب المعركة، شاهداً على الحق أو شهيداً في سبيله.
وها هو السيد حسن نصر الله يروي لنا كلماته الأخيرة، التي تتوهج باليقين: “قد شاب رأسي ولحيتي، وأدعوا الله أن تكون عاقبتي الشهادة.”
أليس في هذه الكلمات أعظم الشهادات على طهارة قلبه ونقاء سريرته؟ إنه من الرجال الذين أدركوا أن الخلود في الدنيا لا يكون إلا بالتضحية، وأن المرء لا يُكتب اسمه على صفحات التاريخ إلا إذا كتب بدمه على أرضه.
وفي لحظة استشهاده، لم يُغلق التاريخ باباً، بل فتح أبواباً كثيرة للأمل والمقاومة. لقد ترك لنا المهندس إرثاً من القيم التي لا تزول، وصورةً لرجل لم ينحنِ إلا لله، ولم يسعَ إلا للحق.
يا أبا مهدي المهندس، قد شاب رأسك ولحيتك، ولكن روحك ظلت شابةً وثابةً نحو العلا. قد استشهدت، ولكن اسمك لن يموت، لأنك كتبتَه في قلب كل حر، وزرعتَه في ذاكرة كل وطن.
سلامٌ عليك يوم ولدت، ويوم جاهدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حياً.