احمد ناصر الشريف ||
الأحداث المتسارعة التي شهدتها المنطقة العربية مؤخرا وتحديدا في سوريا تؤكد أن العرب جميعهم وبدون استثناء تنتظرهم أوضاع صعبة وعواصف قوية قد تجعل منطقتهم تعيش على كف عفريت أو كما يقال على صفيح ساخن وإن كانوا هم من أوصلوا أنفسهم إلى هذه المرحلة التي جعلتهم مستهدفين من أعدائهم لأنهم فتحوا المجال لهم بتخاذلهم وجعلوا بيوتهم أمامهم مخلعة النوافذ والأبواب ليدخلها كل من هب ودب غير مدركين أنهم بوضعهم الحالي في غيهم يعمهون ولم يفلحوا إلا في محاربة بعضهم البعض،
ما حدث في سوريا أدمى قلب كل عربي ولم يفرح أو يؤيد ما تعرضت له سوريا من مؤامرة بدأت من داخلها قبل أن تحاك من الخارج إلإ من هو عديم الانتماء إلى أمته العربية والإسلامية وفي قلبه مرض ولا نبرئ رأس نظامها من خذلان شعبه وجيشه بشار الأسد الذي لم يعتبر ممن سبقوه في دول عربية أخرى عندما استمعوا إلى نصائح أمريكا وأدواتها العربية فكانت النتيجة القضاء على أنظمتهم وغزو شعوبهم واحتلالها ولنا في الرئيسين الأسبقين صدام حسين ومعمر القذافي عبرة وكيف انتهى بهما الحال بسبب تمسكهما بكرسي الحكم والتضحية بشعبيهما
فالأول استمع لنصائح الحكام العرب الدائرين في الفلك الأمريكي بالقبول بدخول المفتشين الدوليين إلى العراق للتأكد من عدم وجود أسلحة كيماوية لديه ولم يرفض كما فعلت إيران وكوريا الشمالية المصنفتين بجانب العراق في مثلث الشر فتم تفتيش حتى غرفة نومه وعندما تم التأكد من عدم وجود هذا السلاح الذي كانوا يخشون من أن يستخدم ضدهم جهزوا لغزو العراق واحتلاله وإلقاء القبض على صدام حسين وإعدامه ولا يزال العراق يعاني إلى اليوم من الغزو والاحتلال وإسقاط نظامه،
والثاني أراد أن يتقرب إلى أمريكا لإرضائها وفي نفس الوقت تجنبا لشرها فقام بجمع أسلحته الكيماوية التي كانت ستحميه في حال غزو بلده وسلمهن لها ولكن بدلا من أن ترضى عنه أمريكا وتشكره تحالفت مع بريطانيا وفرنسا فغزو ليبيا واحتلوها وأسقطوا نظامها وقتلوه وهاهي اليوم ليبيا تعيش وضعا لا تحسد عليه مقسمة بين جماعات مسلحة كلها تعمل لخدمة أعداء الأمتين العربية والإسلامية.
أما سوريا الجريحة والتي عرفت بقلعة العروبة فحكايتها طويلة لا تنتهي فقد بدأ التآمر عليها مبكرا بهدف اسقاط نظامها وما حدث لها في العام 2011م ليس إلا تنفيذا لما كان يحاك ضدها من قبل أمريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وتركيا وعدد من الدول العربية الداعمين للجماعات الإرهابية
حيث تم رصد اثنين ترليون دولار لإسقاط النظام الذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط حيث أصبحت دمشق آنذاك محاصرة فتدخلت إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان ممثلة بحزب الله فوقفوا إلى جانب الجيش السوري وتمكنوا بفضل الله من هزيمة الجماعات الإرهابية واستطاعوا أن يحرروا أكثر من سبعين في المائة من الأرض السورية بينما بقيت تلك الجماعات محصورة في نسبة ثلاثين في المائة تحت الحماية الأمريكية والتركية ،
ولأن الدول المتدخلة في الشأن السوري شعرت بالهزيمة ويئست من اسقاط النظام عسكريا كما فعلت في العراق وليبيا فقد لجأت أمريكا رأس الشر إلى التعامل مع النظام في سوريا بطرق دبلوماسية حيث أوعزت إلى السعودية والإمارات بإعادة العلاقات مع دمشق ودعوة رئيسها لحضور القمم العربية والإسلامية التي كانت تعقد في الرياض وخلال تواجد بشار الأسد انفردوا به وأوهموه بأنهم سيفتحون مع نظامه صفحة جديدة ويحولون سوريا إلى جنة بشرط أن يتخلى عن علاقته بإيران وحزب الله في لبنان اللذين كان لهما الفضل في بقاء نظامه والدفاع عنه
كما سبق وفعلوا مع الرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد بري عندما طلبوا منه أن يتخلى عن علاقته بالاتحاد السوفييتي وهم مستعدون لأن يحولوا الصومال إلى جنة فصدقهم وطرد المستشارين السوفييت وبدلا من أن يكافئوه على صنيعه سلطوا عليه المعارضة فأسقطت نظامه فضاع وضاعت دولة الصومال التي لم يتعافى شعبها إلى يومنا هذا، وهو السيناريو الذي تم تطبيقه حرفيا على بشار الأسد بعد أن صدقهم لضمان بقائه في الحكم من خلال دعمهم له
فكانت أول خطوة اتخذها أنه لم يتفاعل مع طوفان الأقصى ولم يقدم أي دعم للقضية الفلسطينية خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة متنكرا لدور سوريا العروبي في دعم فلسطين وتضحيتها من أجلها وبدأ يمنع الدعم الإيراني عبر سوريا لحزب الله في لبنان وتعامل مع إيران ببرود لدرجة أن عملاء إسرائيل في سوريا كانوا يزودون الجيش الصهيوني بمعلومات عن أماكن تواجد المستشارين الإيرانيين وقادة فلسطينيين ومن حزب الله للقيام بقصفهم والقضاء عليهم ومع ذلك صبرت إيران ولم تتخذ أي إجراءات مضادة
بل إنها ظلت واقفة إلى جانب بشار ونظامه ردا للجميل عندما وقفت سوريا في عهد حافظ الأسد إلى جانب ايران أثناء حربها مع العراق، وفي محاولة لإنقاذه من التآمر عليه بلغت المخابرات الإيرانية بشار الأسد بما يحاك من تآمر ضد نظامه بهدف اسقاطه وأن قادة الجيش قد تم شراؤهم والجماعات التي تدعمها تركيا وأمريكا وإسرائيل متحفزة للانقضاض على المدن السورية واحتلالها بداية بحلب،
ورغم إن هذه المعلومات تم ابلاغها لبشار الأسد في شهر سبتمبر الماضي إلا أنه لم يلق لها بالا وكان واثقا في السعودية وأمريكا والإمارات بأنهم سيصدقون في وعودهم له بدعمه وبقائه على رأس الحكم خاصة بعد أن بدأ بتنفيذ طلباتهم في التخلي عن علاقته بإيران وحزب الله وهو الأمر الذي جعل ايران تسحب قواتها ومستشاريها من سوريا بعد أن يئست من إقناعه
وحينما اشتعلت نار الأحداث بسقوط حلب لم تتركه إيران فقد عرضت عليه إرسال قوات للقتال إلى جانب الجيش السوري لكن الأسد حسب ما صرح به مسؤول إيراني كبير قابل الأسد قبل أربعة أيام من سقوط دمشق شكا له من عدم استعداد الجيش السوري للقتال وهنا شعر بشار بالندم فلم يكن أمامه إلا القبول بما عرض عليه وهو مغادرة سوريا وتسليم دمشق للجماعات الإرهابية وهذا ما حدث.
لكن المفارقة العجيبة أنه في نفس يوم سقوط دمشق قامت إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة بما فيها جبل الشيخ الاستراتيجي ومحافظة القنيطرة والغت اتفاقيات سابقة مع سوريا وفيما بعد احتلت مناطق أخرى وتقدمت إلى مسافة تبعدها عن دمشق بخمسة وعشرين كيلومتر كما شنت مئات الغارات على الأسلحة الاستراتيجية والمنشآت الحيوية بما في ذلك الأسطول الحربي البحري وهي أسلحة لو تم استخدامها من قبل النظام لم تكن كفيلة بالدفاع عن سوريا فحسب وإنما ستكون كفيلة بردع إسرائيل ونصرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة،
هذا ما شهده العالم عيانا أما ما خفي حول ما حدث في الساعات الأخيرة لسقوط النظام وهروب بشار فلا يعلمه إلا الله ثم الرئيس الروسي بوتين الذي باع حليفه النظام السوري بأرخص ثمن ولم يقدم لرئيسه من مساعدة تذكر سوى تقديم اللجوء الإنساني له ولعائلته في روسيا ولم يمنحه حق اللجوء السياسي الذي قد يحميه من ملاحقة محكمة الجنايات الدولية في حال تم رفع قضايا من قبل المتظلمين ضده والأيام القليلة القادمة كفيلة بكشف المزيد من الحقائق المغيبة وإن كان العرب لا يعتبرون حتى وإن تم كشفها لهم وكيف يتم التآمر عليهم ،
لكن المؤسف أن هزائم العرب تأتي في ظل الأنظمة التي تعتبر نفسها تقدمية وترفع شعارات محاربة الاستعمار والرجعية وتدعو إلى تحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
وقد أثبتت الحقبتان الناصرية والبعثية أنهما سبب هزائم العرب وضياع فلسطين بالكامل وذلك بعكس الأنظمة الملكية الرجعية المرتمية في أحضان أمريكا والدول الاستعمارية التي تحرص على استقرار أوضاع شعوبها ولم تفرط في أراضيها كما فعلت الأنظمة التقدمية.
وإن كانت ضليعة في التآمر ضد من يرفع شعار التحرر من الاستعمار ومحاربته لأنها تعتبر ما تقوم به دفاعا عن نفسها وتعتقد إن شعارات الأنظمة التقدمية وهي أكثر انبطاحا هي المقصودة بها وليس الدول الاستعمارية والخواتم هي من تحدد طبيعة الإنجازات وليس المقدمات.