زهراء أنا علي..!

زمزم العمران ||

قال أمير المؤمنين (ع) في رثاء السيدة الزهراء (عليها السلام) عند استشهادها: – ألا أيها الموت الذي ليس تاركي… أرحني فقد أفنيت كل خليلِ – أراك خبيرا بالذين أحبهم…كأنك تسعى نحوهم بدليلِ.

 

السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و حبيبته التي خصها الله عز و جل بخصائص فريدة فبلغت مقاماً رفيعاً حتى صارت سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين، فهي فاطمة بنت رسول الله محمد ( صلَّى الله عليه و آله )

 

،أشهر ألقابها : الزهراء ، سيدة نساء العالمين ، الحوراء الإنسية ، الممتحنة ، الصابرة ، الصديقة ، الطاهرة ، المعصومة ، محدثة الملائكة ، حبيبة أبيها ، البتول ،كُناها : اُمّ أبيها ، اُمّ الحسنين ، اُمّ الأئمة النجباء ،أبوها : النبي محمد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) ،اُمّها : السيد خديجة بنت خويلد ،ولادتها : يوم الجمعة 20 جمادى الثانية السنة 2 أو السنة 5 بعد البعثة ،محل ولادتها : مكة المكرمة ،مدة عمرها : 18 سنة و 75 يوما،

 

قضت تسع سنوات و أشهر منها في بيت زوجها أمير المؤمنين( عليهما السَّلام ) ،زوجُها : الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ،نقش خاتمها : الله ولي عصمتي ، أمن المتوكلون ، شهادتها : رحلت الى ربها شهيدة يوم الاثنين أو الأحد ( 13 ) أو ( 14 ) أو ( 15 ) جمادى الأولى ، ( 11 ) هجرية .

 

وقد اشتركت فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام في الجهاد في سبيل الله بالمعنى الأعم، أي الجهاد الذي كان عليها، مثل الجهاد في الشعب، حيث حصر المشركون الرسول صلى الله عليه وآله وأهله في شعب أبي طالب عليه السلام ثلاث سنوات،

 

وكان ذلك من أعظم الجهاد، وكانت تلفحهم الشمس نهاراً ويؤذيهم البرد ليلاً ،واشتركت فاطمة الزهراء عليها السلام أيضاً في الهجرة بأتعابها المعروفة، فقد هاجرت من مكّة المكرمة إلى المدينة المنوّرة ،وقد ورد في قصة الهجرة النبوية: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي أمير المؤمنين …:

 

“ثم إني استخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن يهاجر معه من بني هاشم، وقال لعلي: إذا أبرمت ما أمرتك به فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله وسر إليّ لقدوم كتابي عليك..

 

وانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله يؤم المدينة… فنزل بقبا وأرادوه على الدخول إلى المدينة فقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي يعني علياً وفاطمة.. وكتب النبي صلى الله عليه وآله إلى علي …

 

يأمره بالتوجه إليه، فلما وصله الكتاب تهيأ للخروج والهجرة وخرج بالفواطم: فاطمة بنت محمدصلى الله عليه وآلـه، وفاطمة بنت أسد أمه، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وخرج معه ايمن بن أم ايمن مولى رســول الله صلى الله عليه وآله وجـمـاعة مـن ضـعـفــاء الـمـؤمـنـيـن، ولـحـقـهم جـمـاعـة مـن قـريـش فـقـتـل …

 

مـنـهم فـارسـاً وعادوا عنه…” ،وشاركت فاطمة الزهراءعليها السلام مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، وكانت معه، في تلك السفرة ،وسـاهـمـت عليها السلام أيـضاً فـي قـصـة أحـد، كـمـا هـو معـروف، حـيـنـما جـاءت إلى جـسـد عـمّها حـمـزة عليه السلام الـذي قـتـل في أحد ،وكذلك ساهمت عليها السلام في قصّة الغدير، حيث كانت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في غدير خم ،وكلما ذكرناه جهاد بالمعنى الأعم كما لا يخفى.

 

كانت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام في ذلك اليوم الذي توفيت فيه طريحة الفراش، وقد أخذ منها الهزال كلّ مأخذ، وما بقي منها سوى الهيكل العظمي فقط، لقد رأت أَباها في المنام وهو يقول لها: “هلمّي إليّ يا بُنَيَّة فإنّي اليك مشُتاقٌ” ثمّ قال لها: “أنتِ الليلةَ عندي”.

 

وصيّة الزهراء عليها السلام للإمام عليّ عليه السلام ، وفي الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها طيلة هذه المدّة من الوصايا التي يجب تنفيذها فأخذ الإمام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال: ” أوصيني بما شئت فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به، وأختار أمركِ على أمري “.

 

فقالت عليها السلام: “جزاكَ الله عنّي خير الجزاء، يابن عمّ اُوصيك أولاً:أن تتزوّج بعدي…. فإنّ الرجال لا بدّ لهم من النساء ” ثم قالت عليها السلام: “اُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ” ،

 

ثم قالت عليها السلام: “يابن العمّ إذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي، فإنّي طاهرة مطهّرة، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله صلى الله عليه وآله، وصَلِّ عليَّ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي، وادفني ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً، وعفَّ موضع قبري، ولا تشهد جنازتي أحداً ممن ظلمني، يابن العمّ أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً، واجعل لأولادي يوماً وليلةً، يا أبا الحسن ! ولا تصح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان اُمهما.

 

انتقلت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام إلى فراشها المفروش وسط البيت، واضطجعت مستقبلة القبلة،وقيل: إنّها أرسلت بنتيها زينب واُمّ كلثوم إلى بيوت بعض الهاشميات لئلاّ تشاهدا موت اُمهما، كلّ ذلك من باب الشفقة والرأفة والتحفّظ عليهما من صدمة مشاهدة المصيبة،كان الإمام عليّ والحسن والحسين عليهم السلام خارج البيت في تلك الساعة ولعلّ خروجهم كان لأسباب قاهرة وظروف معينة ،

 

وحين حانت ساعة الاحتضار وانكشف الغطاء نظرت السيّدة فاطمة عليها السلام نظرة حادة ثم قالت: “السلام على جبرئيل، السلام على رسول الله، اللهمّ مع رسولك،

 

اللهمّ في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام، ثم قالت: هذه مواكب أهل السماوات وهذا جبرئيل وهذا رسول الله يقول: يا بنية أَقدمي فما أمامكِ خيرٌ لك” وفتحت عينيها ثم قالت: “وعليك السلام يا قابض الأرواح عجّل بي ولا تعذّبني” ثم قالت: “إليك ربّي لا إلى النار” ثم غمضت عينيها ومدّت يديها ورجليها ،فنادتها أسماء فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الحياة،

 

فوقعت عليها تقبّلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام، ودخل الحسن والحسين فوجدا اُمّهما مسجاة فقالا: يا أسماء ما ينيم اُمّنا في هذه الساعة ؟ قالت: يا ابنيّ رسول الله ليست اُمّكما نائمة، قد فارقت الدنيا،فألقى الحسن نفسه عليها يقبّلها مرةً ويقول: “يا اُماه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني”، وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: “أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت”.

 

فقالت لهما أسماء: يا ابنيّ رسول الله، إنطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت اُمّكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فابتدر إليهما جمع من الصحابة وسألوهما عن سبب بكائهما فقالا: “قد ماتت اُمّنا فاطمة عليها السلام”. فوقع الإمام عليّ عليه السلام على وجهه يقول: “بمن العزاء يابنت محمد”؟

 

نزل عليّ عليه السلام إلى القبر، واستلم بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وأضجعها في لحدها وقال: ” يا أرض أستودعك وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، سلمتكِ أيتها الصدّيقة إلى من هو أولى بكِ منّي، ورضيت لكِ بما رضي الله تعالى لكِ “، ثم قرأ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اُخرى ، ثم خرج من القبر، وتقدّم الحاضرون وأهالوا التراب على تلك الدرّة النبويّة،

 

وسوّى عليّ عليه السلام قبرها ، ونزل عليّ عليه السلام إلى القبر، واستلم بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وأضجعها في لحدها وقال: ” يا أرض أستودعك وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، سلمتكِ أيتها الصدّيقة إلى من هو أولى بكِ منّي، ورضيت لكِ بما رضي الله تعالى لكِ “،

 

ثم قرأ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اُخرى ، ثم خرج من القبر، وتقدّم الحاضرون وأهالوا التراب على تلك الدرّة النبويّة، وسوّى عليّ عليه السلام قبرها ،انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انكشاف أمرهم وهجوم القوم عليهم، فلمّا نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن لفقد بضعة الرسول وزوجته الودود التي عاشت معه الصفاء والطهارة والتضحية والإيثار، وتحمّلت من أجله الأهوال والصعاب،

 

فأرسل دموعه على خدّيه، وحوّل وجهه إلى قبر رسول اللهصلى الله عليه وآله ثم قال:” السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وحبيبتك وقرّة عينك وزائرتك والبائنة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري،

 

وعفى عن سيدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسي لي بسنَّتك في فرقتك موضع تعزي، فلقد وسدتُك في ملحودة قبرك بعد أن فاضت نفسك بين نحري وصدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي. بلى، وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنّا لله وإنّا اليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله!

 

أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله دارك التي أنت فيها مقيم، كَمَدٌ مقيّح، وهم مهيّج، سرعان ما فرّق الله بيننا وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك عليَّ، وعلى هضمها حقّها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، والسلام عليكما يا رسول الله سلام مودّع لاسئم ولا قال، فإن أَنصرف فلا عن ملالة، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين، والصبر أَيمن وأجمل.

 

ولو لا غلبة المستولين علينا لجعلتُ المقام عند قبرك لزاماً، والتلبّث عنده عكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، ويهتضم حقّها قهراً، ويمنع إرثها جهراً ولم يطل منك العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله ـ يا رسول الله ـ المشتكى، وفيك ـ يا رسول الله ـ أجمل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته”

 

وهكذا انتهت حياتها الزاخرة بالفضائل والمناقب والمواقف المبدئية المشرفة، فالسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيةً ورحمة الله وبركاته.

شاهد أيضاً

بغداد : اجتماع موسع لعدد من رؤساء الأحزاب والكيانات السياسية يؤكد على دعم الحكومة

عقدت مجموعة من القيادات ورؤساء الأحزاب والكيانات السياسية “السنية” مساء  السبت اجتماعاً في مقر رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *