رياض الفرطوسي ||
رؤية نحو التكامل بين التكنولوجيا والإنسانية.
في ظل التطور السريع للتكنولوجيا الحديثة، نجد أن الذكاء الاصطناعي (AI) أصبح أحد أبرز وأهم التقنيات في عصرنا الحالي. هذه التكنولوجيا لم تقتصر على تحسين الحياة اليومية بل أثرت في جميع مناحي الحياة الاقتصادية، والتعليمية، والصحية، وحتى الثقافية.
قد شهدنا في العقود الماضية ظهور تقنيات عديدة بدأت بالهاتف مروراً بالكومبيوتر والأجهزة الذكية، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، والذي يمتلك إمكانيات هائلة تُثير الكثير من التساؤلات والآمال، وكذلك المخاوف .
توطين الذكاء الاصطناعي يعني استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي بما يتناسب مع احتياجات المجتمع وثقافته وقيمه، بدلاً من تركه يتطور كمنتج عالمي موحد قد لا يناسب الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.
هذا المفهوم يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يجب أن يكون تقنية عالمية متجردة من الهوية، بل يجب أن يتم تكييفه وتطويره بحيث يكون مراعياً للسياق المحلي، قادراً على تلبية متطلبات المجتمع دون تهديد للعادات والتقاليد، والأهم من ذلك، دون أن يحل محل الإنسان أو يتحكم في مصيره .
الذكاء الاصطناعي اليوم قادر على أداء مهام معقدة ومتنوعة، مثل معالجة البيانات الضخمة، واتخاذ قرارات مبنية على أنماط معلوماتية، وتنفيذ أعمال دقيقة في مجالات كالبنوك والتعليم والصناعة. ورغم أن هذا التطور له فوائد كبيرة، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر على وظائف الإنسان، حيث بدأ يُستخدم بشكل متزايد ليحل محل بعض الأدوار التقليدية .
يطرح هذا التساؤل حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيساهم في استدامة التقدم العلمي والاقتصادي، أم أنه سيزيد من الاعتماد على الآلات بشكلٍ يهدد فرص العمل للبشر. لذا، فإن توطين الذكاء الاصطناعي يمثل حلاً مهماً في هذا السياق؛
فالتوطين يتيح استغلال الإمكانات المتقدمة للذكاء الاصطناعي بطريقة تكاملية، بحيث يكون هناك تعاون بين الإنسان والآلة، بدلاً من أن يحل أحدهما مكان الآخر. رغم الإمكانات الكبيرة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك مخاوف من تحوله إلى أداة تُسيطر على حياة البشر. وهنا تظهر الحاجة إلى أنسنة الذكاء الاصطناعي وتوجيهه بحيث يصبح أداة لخدمة الإنسان وتحسين نوعية حياته، دون تهديد له.
فعندما يتم برمجة الذكاء الاصطناعي، يجب وضع معايير أخلاقية وإنسانية تمنعه من التسبب بأضرار اجتماعية، أو اقتصادية، أو نفسية على الأفراد والمجتمعات .
من الضروري تطوير خوارزميات تراعي القيم الإنسانية وتعمل على تهذيب وتطوير الآلة بحيث تبقى تحت سيطرة الإنسان ولا تتحول إلى مصدر للهيمنة.
فالتوطين هنا لا يعني فقط تخصيص الذكاء الاصطناعي ليناسب مجتمعاً معيناً، بل يعني أيضاً ضبطه بقيم إنسانية عالمية تحترم الإنسان وخصوصياته وحقوقه .
من الطبيعي أن يُثير الذكاء الاصطناعي تساؤلات عميقة حول المستقبل، وما إذا كان سيبقى مجرد أداة لخدمة الإنسان أم سيصبح يوماً ما كياناً مستقلاً يتخذ قراراته الخاصة.
وما زال الذكاء الاصطناعي حالياً أقل ذكاءً من الإنسان، ولكن لا يمكن إنكار أن إمكانياته تتزايد مع التقدم السريع في تقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات .
لذا، يجب توطين الذكاء الاصطناعي ليكون ملائماً لمتطلبات العصر ومتوافقاً مع الأبعاد الثقافية والأخلاقية للمجتمع. هذا يعني أن علينا العمل على تطوير ذكاء اصطناعي متوافق مع قيمنا، ويمكنه أن يكون مساعداً للإنسان وليس بديلاً عنه .
إن توطين الذكاء الاصطناعي يمثل الخطوة الضرورية التي ستسمح لنا بالاستفادة من إمكاناته المتقدمة بطريقة آمنة ومتكاملة. إنه يمنحنا القدرة على تطوير الذكاء الاصطناعي بحيث يكون أداة فعالة لتحسين جودة الحياة وتعزيز الإنتاجية، وفي الوقت ذاته احترام الأبعاد الثقافية والإنسانية .
لذلك، يعتبر التوطين استراتيجية حيوية في هذا العصر السريع، حيث يمكننا توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان والمجتمع، دون أن نتخلى عن هويتنا أو نخشى أن نفقد وظائفنا أو استقلاليتنا لصالح الآلة .