قمة البريكس: فتحت باب اللجوء للهروب من الهيمنة الامريكية..!

علي جاسب الموسوي ||

قمة البريكس لعام 2024 تأتي في سياق دولي شديد التعقيد والتحول، حيث تتصاعد التوترات العالمية بين الشرق والغرب، وتتزايد الضغوط على الدول الساعية للاستقلال عن الهيمنة الغربية. من هذا المنطلق، يمكن قراءة قمة البريكس من خلال عدسة محور المقاومة، لا سيما القوى الشيعية التي تعتبر نفسها جزءاً من مشروع أكبر يسعى إلى مقاومة النفوذ الأميركي والغربي في المنطقة وهذا هو الطريق الى العالم الجديد المتعدد الاقطاب .

 

1/ البريكس كأداة لتحرر النظام العالمي:

 

تسعى مجموعة البريكس إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، لتكون فيه الدول المستقلة قادرة على مواجهة النظام المالي العالمي المتمركز حول الدولار الأميركي والمؤسسات الغربية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي… هذه الرؤية تتلاقى بشكل واضح مع مشروع محور المقاومة، والذي يتزعمه بالأساس إيران، باعتبارها دولة شيعية محورية تعمل على كسر القيود الاقتصادية والسياسية التي فرضتها الولايات المتحدة على المنطقة، سواء من خلال العقوبات الاقتصادية أو من خلال التدخلات العسكرية.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كأحد الفاعلين الرئيسيين في محور المقاومة،

 

تجد في البريكس فرصة استراتيجية للخروج من العزلة الاقتصادية التي فرضتها العقوبات الغربية، وذلك عبر إيجاد شركاء دوليين مستعدين لتحدي النظام المالي العالمي… الصين وروسيا، وهما من أبرز أعضاء البريكس، تربطهما علاقات استراتيجية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية… تسعى هذه الدول إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، ليس فقط لمصالح اقتصادية، بل لموازنة القوى مع الولايات المتحدة … هذا المحور يكتسب زخماً في ظل الجهود المستمرة لإدخال إيران في تحالفات اقتصادية جديدة.

 

2/ التعاون الأمني والمصالح الجيوسياسية:

 

على الصعيد الأمني، تُعد قمة البريكس لعام 2024 فرصة لتعميق التعاون بين الدول الأعضاء في مواجهة التهديدات المشتركة. فبالنسبة لروسيا والصين، اللتين تشعران بضغط التوسع الغربي ونفوذهما المحدود في إطار المؤسسات الأمنية العالمية التقليدية، يمثل التعاون مع محور المقاومة، خاصة جمهورية ايران الاسلامية وحزب الله اللبناني، وسيلة للتصدي للنفوذ الأميركي والإسرائيلي في الشرق الأوسط…

 

إيران تُعتبر لاعباً أساسياً في هذا التعاون، حيث تمتلك خبرات أمنية وعسكرية متطورة نتيجة مواجهاتها المتكررة مع التحالف الغربي في المنطقة.

 

التقارب الروسي الإيراني، والذي تعمق اكثر منذ التدخل الروسي في سوريا لدعم النظام السوري ضد الجماعات الإرهابية والمتمردين المدعومين من الغرب، يُعتبر نموذجاً واضحاً على كيفية تداخل المصالح الأمنية والجيوسياسية بين البريكس ومحور المقاومة… هذا التعاون لا يقتصر على مكافحة الإرهاب فحسب، بل يمتد إلى مقاومة التدخلات الغربية والإسرائيلية في المنطقة، وهو ما يدعم الاستقرار في مناطق النفوذ الشيعي، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان.

 

3/ الاقتصاد البديل ونهاية الاحتكار الغربي:

 

إن مشروع البريكس لبناء نظام اقتصادي عالمي بديل يقوم على تحرير الأسواق العالمية من احتكار الدولار وسيطرة المؤسسات المالية الغربية، يُعد هدفًا مهمًا لمحور المقاومة… إيران، التي تخضع لعقوبات اقتصادية صارمة، ترى في هذا المشروع وسيلة للخروج من العزلة الاقتصادية وإيجاد شركاء تجاريين خارج نطاق النفوذ الغربي… إن الانضمام إلى مبادرات البريكس الاقتصادية، مثل بنك التنمية الجديد، يتيح لإيران الحصول على التمويل والمشاريع الإنمائية دون الحاجة إلى المرور عبر البنوك الغربية أو الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي.

 

كما أن العلاقات التجارية مع الصين وروسيا في إطار البريكس تتيح لإيران الحصول على التكنولوجيا والطاقة، وتوسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة… هذا التعاون، الذي يرتبط بمبادرة (الحزام والطريق الصيني)، يمنح إيران مكانة استراتيجية في التجارة العالمية، حيث يمكنها أن تصبح ممرًا رئيسيًا للتجارة بين آسيا وأوروبا، بما يخدم مصلحة محور المقاومة ويعزز من قدراته الاقتصادية على مواجهة الضغوط الغربية.

 

4/ الأبعاد الثقافية والإيديولوجية:

 

على المستوى الأيديولوجي، ترى قوى محور المقاومة في البريكس تحالفاً ينسجم مع رؤيتها لمقاومة الاستعمار الجديد الذي تمارسه القوى الغربية… إن رفض الهيمنة الغربية، الذي يجمع البريكس، يتلاقى مع الرؤية الشيعية التي ترى في الغرب قوة مهيمنة تسعى إلى استغلال ثروات العالم الإسلامي وإضعاف قواه المقاومة… من هذا المنطلق، فإن البريكس لا يمثل فقط تحالفاً اقتصادياً وسياسياً، بل يمثل رمزاً لتحرر الشعوب من السيطرة الغربية، وهو ما يعزز من خطاب المقاومة لدى الشيعة وحلفائهم.

 

5/ مستقبل التعاون بين البريكس ومحور المقاومة:

 

إذا ما استمر محور البريكس في التوسع ونجح في إدماج دول جديدة، قد نشهد تعاونًا أعمق بين الدول الأعضاء ومحور المقاومة. إيران تسعى إلى أن تكون شريكًا فاعلًا في هذا المحور، ليس فقط لتحقيق أهدافها الاقتصادية، ولكن أيضاً لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية قادرة على تحدي هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها.

 

ومع تصاعد التوترات العالمية بين الشرق والغرب، والاضطرابات في النظام المالي العالمي، من المتوقع أن يستمر هذا التعاون في النمو، ليصبح أكثر تنسيقًا على الصعيدين الأمني والاقتصادي… إن محور المقاومة، الذي بات يعتمد على تحالفات خارج نطاق الشرق الأوسط التقليدية، سيرى في البريكس وسيلة لضمان الاستقرار وتوسيع نفوذه العالمي.

 

الخاتمة:

 

إن قمة البريكس لعام 2024 تمثل فرصة استراتيجية لمحور المقاومة، لا سيما القوى الشيعية، لتعزيز استقلالها الاقتصادي والسياسي عن الغرب وخصوصا العراق في ظل الازمات الاقتصادية التي يمر بها وخصوصا هيمنة الدولار … وفي ظل الدعم الذي يمكن أن توفره دول البريكس مثل الصين وروسيا، يجد محور المقاومة في هذا التحالف العالمي وسيلة لتوسيع نفوذه، وتحقيق أهدافه في مقاومة الهيمنة الغربية.

شاهد أيضاً

️السوداني يمنع وزيرة الاتصالات من حجب المواقع الإلكترونية قبل عرضها على مجلس الوزراء

أصدر رئيس مجلس الوزراء محمد شياع، اليوم الأحد، توجيها لوزيرة الاتصالات بشأن حجب المواقع الالكترونية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *