يحاول جيش الاحتلال فرض سياسة تعتيم على حوادث الانتحار في صفوف جنوده وضباطه، في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة (هآرتس) أنّ 10 جنود، على الأقل، انتحروا في الساعات الأولى من هجوم حركة (حماس) على البلدات والمعسكرات في أكتوبر 2023، والحرب على غزة التي تلته.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أنّ “الجيش يتستر على مقتل 17 جندياً بعضهم انتحروا، لكنه وضعهم في إطار (مصابي الحوادث)”. وقالت إن هذه المعطيات لا تشمل جنود الاحتياط الذين انتحروا بعد تسريحهم من الخدمة.
وقالت الصحيفة إنّه بعد أنْ “قدمت طلبًا للحصول على معطيات بهذا الخصوص بموجب قانون حرية المعلومات، تبين أنّه منذ عام 1973 انتحر 1227 جنديًا، لكن الجيش يدعي أنّه لا توجد بحوزته معلومات عن سنواتٍ سابقةٍ”. إلّا أنّ الصحيفة نقلت عن مصادر مختلفة قولها إنّ “عدد الجنود الذين انتحروا أكثر” لأنّه “طوال سنين جرى الحفاظ على سرية حالات موت كثيرين، ووصفها بأنها حوادث أسلحة، وليس انتحارًا، وأحيانًا جرى ذلك بطلب صريح من عائلاتهم”.
وأكّد خبراء في الطبّ العسكريّ النفسيّ أنّه خلال الحرب على غزة تكشفت ظاهرة جديدة غير مسبوقة، وهي أنّ “الجنود والضباط ينتحرون خلال الحرب”، بينما جرت العادة أنْ تجري عمليات الانتحار بعد أنْ ينتهي القتال، حيث ترافقهم صور القتل والدمار الجنود في حياتهم المدنية، وتتحول إلى كوابيس مرعبة.
وقال رئيس (مركز أبحاث الانتحار والألم النفسيّ) في المركز الأكاديمي (روبين)، بروفيسور يوسي تيفي – بلز، إنّ “هذا الأمر كان مفاجئًا جدًا، فنحن لسنا معتادين على وقوع حالات انتحار خلال القتال، وهذه الحالات من شأنها أنْ تدُلّ على شدة الفظائع التي حدثت في (غلاف غزة) في تلك الساعات، وعلى تأثيرها في الوضع النفسي لأولئك الذين اطلعوا عليها”، وفق ما نقلت عنه الصحيفة.
ووفق الجيش، فإنّه “لم يجرِ التوصل إلى وجود قاسم مشترك بين حالات الانتحار هذه، وبين ما حدث في 7 أكتوبر”، إلّا أنّ أقارب وجنودًا زملاء للمنتحرين أفادوا بأنّ قسمًا من الجنود القتلى “عانوا من ضائقةٍ نفسيّةٍ تسببت بها الفظائع التي واجهوها في غلاف غزة”.
ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم إنّ “معظم حالات الانتحار في الجيش هي في صفوف جنود شبان، لكن هناك تأثيرات غير مألوفة لـ7 أكتوبر، وفجأة تعيَّن على الجيش التعامل مع ميول للانتحار في أوساط جنود وضباط في الخدمة العسكرية الدائمة، وفي الاحتياط في الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم”، لافتةً إلى أنّ قائمة الجنود الذين انتحروا لا تشمل جنودًا سُرّحوا من الخدمة العسكرية، وانتحروا متأثرين من القتال.
وخلُصت الصحيفة إلى القول إنّ “الجيش الإسرائيليّ رفض طوال السنين الماضية الكشف عن معطيات حول عدد الجنود الذين انتحروا، واستمر في التعتيم على هذا الموضوع”.
يُشار في الختام إلى أنّ جميع المواد الذي تُنشَر بالإعلام الإسرائيليّ تخضع للرقابة العسكريّة قبل نشرها، وأحيانًا كثيرةً يتِّم منع الإعلام من نشر الأخبار لأنّ الأمر قد يمسّ بأمن الكيان.