أ. د. جاسم يونس الحريري ||
في ظل ترويج الإعلام العبري عن شن “إسرائيل” هجوما استباقيا بمشاركة نحو 100 طائرة حربية على أكثر من 400 هدف جنوبي لبنان وإحباط “التهديد قبيل إطلاق الهجوم واسع النطاق”،
يُجمع المراقبون على أن العملية الإسرائيلية كانت نابعة عن الإرباك الناتج عن إطالة أمد رد إيران والمقاومة على الاغتيالات الأخيرة.ومن أجل ردع الكيان الصهيوني المسخ من قبل محور المقاومة على عدوانه الاخير على لبنان نقترح أتباع الاستراتيجية التالية :
1.أستخدام عمليات الاستنزاف العسكري على تجمعات العدو الصهيوني:
أعدّ الباحث في “معهد بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية” الإسرائيلي، إيتان شامير، دراسةً تتناول الإنجازات الاستراتيجية التي حققها محور المقاومة، ضدّ “إسرائيل” خلال الأشهر العشرة الأولى من ملحمة “طوفان الأقصى”، معدداً أهم هذه الإنجازات على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، والمستويين الإقليمي والدولي. شامير شدد على أن أحد الإنجازات الاستراتيجية لـ”طوفان الأقصى” هو التفاف محور المقاومة حول حماس، ومساندته إياها.
وتناول الباحث في هذا الإطار الدور الإسنادي الذي يؤديه كل من حزب الله في لبنان، والقوات المسلحة في اليمن، إلى جانب المقاومة الإسلامية في العراق.وفي هذا الاتجاه يمكن زيادة من زخم عمليات حزب الله اللبناني على الداخل الاسرائيلي كنوع من تخفيف الهحمات الاسرائيلية على جنوب لبنان.
شامير شدد على أن أحد الإنجازات الاستراتيجية لـ”طوفان الأقصى” هو التفاف محور المقاومة حول حماس، ومساندته إياها. وأكد شامير أن العمليات التي ينفّذها حزب الله ضدّ “إسرائيل” في شمالي فلسطين المحتلة “سبّبت أضراراً جسيمةً، وكشفت نقاط ضعف “إسرائيل” وعدم قدرتها على وقف نيران الحزب بصورة فعالة”.
وأشار أيضاً إلى شنّ القوات المسلحة اليمنية هجماتٍ على السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” في البحر الأحمر، وإطلاقها صواريخ ومُسيرات على “إيلات” وإضافةً إلى حزب الله والقوات المسلحة اليمنية، تنفّذ المقاومة الإسلامية في العراق عمليات ضدّ “إسرائيل”.ولفت شامير إلى أن الاستهدافات المستمرة التي تشنّها قوى المقاومة ضد “إسرائيل” تدل على حالة من تأكل الردع الإسرائيلي، إذ إنّ “إسرائيل لم تتمكن من استعادة قوة الردع الإقليمية”، على الرغم من قساوة الحرب التي تشنّها على قطاع غزة.
2.زيادة زخم هجمات محور المقاومة على المستوطنات الاسرائيلية:
أما الإنجاز الأعظم لمحور المقاومة الذي يمكن أن يقوم به فهو تشديد الضربات القاسية على المستوطنات الاسرائيلية استنادا الى التجارب السابقة في هذا المجال من “إخلاء المستوطنات للمرة الأولى مرة منذ إنشاء إسرائيل عام 1948″،
بحيث تم إجلاء نحو 200 ألف شخص من المستوطنات المحيطة بقطاع غزة وتلك المجاورة للحدود مع لبنان، بحسب ما أكد شامير في الدراسة. ونتيجةً لذلك، “حقق محور المقاومة إنجازاً بإخلاء مساحات كاملة من إسرائيل، وهذا ما لم يحدث منذ عام 1948”.
3.نشر جرائم الابادة الجماعية الصهيونية في جنوب لبنان لكسب تأييد العالم:
أن نشر صور جرائم الابادة الجماعية الصهيونية في جنوب لبنان سيزيد من حجم الضغط الدولي على ذلك الكيان الغاصب لوقف العدوان الاسرائيلي على لبنان وهنا نريد أن نذكر مانقلته صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية عن رئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لودر “إن خسارة تل أبيب التضامن الصريح عالمياً في المعركة مع غزة ضاعف الخطر الوجودي على (إسرائيل)”،
وأنه على أهمية خسارة الرأي العام، لكن الانقسام الذي يهدد وجود “إسرائيل” ليس الانقسام في الداخل (الإسرائيلي) فقط بل في العالم كله، كما تحدث عن تراجع الولاء لـ (إسرائيل)،واختراق أعدائها لحلفائها الأكثر إخلاصا لها في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما أكده أيضاً الكاتب سيث فرانتسمان بأن حركة المقاومة الفلسطينية وصلت إلى دعم شعبي كبير بعد الحرب الأخيرة على غزة،
في الوقت الذي استهدفت الاحتجاجات إدانة (إسرائيل) في العديد من البلدان، ونشرت مقالات تنتقدها في جميع أنحاء العالم، وأضاف “كما قادت الصين جهودا في الأمم المتحدة لإدانة (إسرائيل)، فإن أعضاء اليسار المتطرف في الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة اتهموا (إسرائيل) بممارسة الفصل العنصري، ودعوا لوقف مبيعات الأسلحة”، كما أكد تراجع دعم “إسرائيل” حتى بين المؤيدين الرئيسين لها بالولايات المتحدة كالإنجيليين
4.أفشال عقيدة عقدة الضاحية الاسرائيلية:
الوجهة الجديدة بعد الهزيمة في غزة، تؤكد أوساط العدو أنها جنوب لبنان، رغم أن هذا العدو لديه فكرة كاملة عن التجربة مع لبنان عامي 2000 و2006، خاصة مع جنوبه وضاحيته الجنوبية، التي استنبط منها هذا العدو ما باتت تٌسمى “عقيدة الضاحية”، وغدت نهج حرب لجيشه وفق ما أعلن عام 2008.و”عقيدة الضاحية”، ليست تعني حصراً التدمير الشامل الغير متكافىء والغير متناسب مع قدرات الخصم،
بل أيضاً إيذاء البيئة الحاضنة للخصم وتأليبها عليه من خلال القصف العشوائي المُدمر للحياة المدنية، وما فشلت “إسرائيل” بتطبيقه من هذه العقيدة مع لبنان، حاولت فعله في قطاع غزة الذي دمرت 80% من مبانيه وبُناه التحتية، وقضت على عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين،
وفشلت في تحقيق أهدافها لغاية الآن، ولعل درس تموز 2006 مع لبنان، يٌصلح لأن يكون الفصل الأول من أي كتاب مستقبلاً حول إندثار النزعة الصهيونية، الذي كُتِب الفصل الثاني منه في قطاع غزة. المفارقة في “عقيدة الضاحية”، أن الذي ابتدعها هو غادي آيزنكوت، الذي كان قائد الجبهة الشمالية في الجيش الصهيوني عام 2006، وغدا لاحقاً رئيساً للأركان، وانضم منذ بداية العدوان على غزة الى “مجلس الحرب”،
واستقال مؤخراً مع بيني غانتس العضو السابق في مجلس الحرب الاسرائيلي لخلافات حول “اليوم التالي” في غزة، لكن آيزنكوت قبل إطلاقه فكرة “عقيدة الضاحية” لم يقرأ بموضوعية على ما يبدو تفاصيل هزيمة كيانه أمام المقاومة في حرب التحرير عام 2000، وكيف صُهِرت أجساد جنود العدوان بفولاذ دباباتهم، ولا هو رأى مشهد الهروب من لبنان تحت وقع ضربات أهل العقيدة الإيمانية والوطنية الذين لم ولن تُرهبهم “عقيدة الضاحية”.
5.ـأستخدام محورالمقاومة في لبنان والساحات الاخرى تدمير البنية التحتية للمدن الاسرائيلية:
ولنكون أكثر وضوحاً وصراحة، قد يكون التجمع“الإسرائيلي”، خارج غلاف غزة وخارج المستوطنات الشمالية، قد عاش أجواءً شبه عادية خلال الأشهر الماضية من العدوان على غزة، ولبنان ربما لأن صواريخ المقاومة الفلسطينية لم تدُكُ المدن والبنى التحتية الصهيونية خارج مستوطنات الغلاف، لكن الأمر مختلف مع حزب الله والمقاومة في لبنان، والمعادلة أيضاً مختلفة، ومختلفة جداً،
سيما وأن قرارات قيادة حزب الله اللبناني خصوصا ومحور المقاومة عموما جاهزة لتطبيق مبدأ “شمولية الردع”، مدينة مقابل مدينة، ومدني مقابل مدني، وبنية تحتية مقابل بنية تحتية، وعدم إبقاء حجر على حجر في الكيان الصهيوني مقابل خطته لإعادة لبنان إلى “العصر الحجري”.