السيد بلال وهبي ـ لبنان ||
📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ كُلُّ دُعاءٍ يُجابُ”
لا تعجَب قارئي الكريم وأنت تقرأ الروايات الشريفة الحاثَّة على الدعاء، والتي اعتبرته مُخّ العبادة، وعمود الدين، ونور السماوات والأرض، وسلاح المؤمن، وسلاح الأنبياء، وأنه ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء. لا تعجب لأن الدعاء هو كذلك، بل فوق ذلك، ويكفيك أن تقرأ ما قاله الله تعالى بخصوص الدعاء لتقف على مكانته من العبادة، ولتعرف أنه من أهم وأجلى مصاديقها، فإذا كانت العبادة تعني الخُضوع بين يدي الله فالدعاء من أوضح مصاديق الخضوع بين يديه تعالى، وكيف لا يكون كذلك والداعي يسأل الله ويخضع بين يديه حاجته، وهذا إقرار عملي بعجزه وفقره، واعتراف بقدرة الله وغناه ورحمته ولطفه، فأي خضوع أشدُّ من هذا، وإذا كانت العبادة مرقاة يتكامل بها العابد فالدعاء من أعظم مراقي التكامل، لأن التكامل يقوم على: يقين العابد أنه ناقص فقير محتاج، ويقينه أن معبوده الله له الكمال كله، ويقينه أن في إمكانه أن ينال من كمال الله بقَدْر ما يقترب منه معنوياً ويتحقق ذلك بالدعاء، فمنزلة العبد عند الله إنما هي بقَدْر سؤاله من الله، وقرب العبد من الله بقدر إقراره بفقره وحاجته إلى الله، ولهذا قال تعالى: “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ…” ﴿77/الفرقان﴾ وهذا من أعجب الأمور والله، إن الشخص إذا احتاج إلى غيره من الناس هانَ عليهم، فإذا ألحَّ في الطلب منهم تبَرَّموا منه وأَنِفوه وكرهوه، أما الله تعالى فإنه يدُني منه من يحتاج إليه ويسأله، وكلما ألحَّ العبد في السؤال منه قَرَّبه الله وأحبَّه.
وإذا كان الدعاء ينشأ من يقين الإنسان بفقره بين يدي الله وحاجته إليه، ويقينه بغنى الله ورحمته وفضله، وأنه يجيب من دعاه، ويحقق رجاء من رجاه، ويقضي حوائجه، ويكشف كروبه، فمن الطبيعي أن يكون ترك الدعاء استكباراً على الله، فكأن الإنسان يساوي نفسه بالله تعالى، بل يستكبر عليه إذ يعتقد أنه غير محتاج إليه، بل يعتقد أنه قادر بما أوتي من قدرة وقوة وغِنى وصِحَّة أنه قادر على فعل أي شيء وبلوغ كل غاية، فهذا استكبار على الله بلا ريب، قال تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” ﴿60/ غافر﴾. فالآية الشريفة دعت إلى الدعاء، واعتبرته من أجلى مصاديق العبادة، واعتبرت تركه استكباراً على الله وهو من أسوأ وألأم مراتب الاستكبار، فمن ذا الذي يستكبر على خالقه ورازقه ومن بيده حياته وموته؟! ومن ذا الذي يستكبر على مالك الملك الذي يُؤتي المُلك مَن يشاء ويَنزع المُلك مِمّن يشاء، ويُعِزُّ مَن يشاء، ويُذِلُّ من يشاء.
ثم إن الله تعالى يعلم حاجات العبد بالتأكيد، ولا يحتاج أن يشكو العبد إليه ما ينوبه ويحدث له، ولكنه أراد له أن يدعوه ويسأله ليتقرَّب بذلك إليه وليتكامل به، ووعده أن يستجيب له ووعدُه تعالى مأتِيٌّ بلا ريب، قال سبحانه: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ…”﴿186/ البقرة﴾.
وقد تسأل قارئي الكريم فتقول: إن الله يجيب دعوة الداعي كما جاء في الآية المتقدمة، فما بالي إذا وأنا أدعو وأدعو وأسأل الله حاجاتي فلا يُجابُ دعائي؟
أقول: إن أمير المؤمنين (ع) أجاب في جوهرته على سؤالك بجواب عام إذ قال: “لَيْسَ كُلُّ دُعاءٍ يُجابُ” وهذا يعني أن بعض الأدعية تُجاب وبعضها الآخر لا يُجابُ، ولكن هل هذا الأمر يحصل بشكل جزافي، أو انتقائي، أو على شكل ضربة حَظٍّ؟
الجواب الأكيد: كلا، حاشا لله الحكيم الخبير واللطيف العليم أن يكون منه ذلك، وإنما الأمر راجع أولاً وآخراً إلى الداعي والدعاء، فقد يكون المانع في الداعي وقد يكون المانع في الدعاء، فقد يدعو الداعي ويتكاسل عن العمل والسَّعي، وكلاهما شرطان لإجابة الدعاء، الداعي يجب أن يعمل ويبذل الجهد الذي يقدر عليه ويدعو الله مع ذلك، أما إذا تواكَلَ على الله، فقعد في بيته وانشغل بالدعاء طالباً أن يرزقه دون سعي فلن يُستَجاب دعاؤه، أو أن يقعد أفراد الأمة في المساجد يدعون الله أن ينصرهم على أعدائهم ولا أحد منهم يقوم بواجب الانتصار لنفسه، هذا من جهة الداعي، أما من جهة الدعاء فقد يطلب الداعي أمراً لا مصلحة له فيه، أو يستعجل حدوث أمر قبل أن تتكامل أسبابه، أو يدعو على ظالم له وهو ظالم لغيره، وهكذا.
فجر يوم الجمعة الواقع في: 30/8/2024 الساعة (04:35)