إنتصار الماهود ||
طرحت إستبيانا في حسابي، سؤال طالما شغلني، (ما الذي تعلمناه من الحسين عليه السلام وكيف أثرت بك واقعة الطف؟!)، جاءت الإجابات مختلفة ومتباينة، فمنهم من قال رأيت عظمة الإسلام وشعلة الحق والأمر بالمعروف والثبات على المباديء في الحسين عليه السلام، وكيف تغلب على من أحب السلطة والقتل والدموية والإنحراف والضلالة من ال أمية، ومنهم من قال أن الحسين هو البداية لتصحيح المباديء و العقيدة والإسلام، وقال أحدهم تعلمت من الحسين عليه السلام، أن أبقى على العهد مع الله وأكون متصلا معه في الشدة قبل الرخاء.
أنا مع الحق الذي يمثله الله ورسوله وآل بيته الأطهار، وأكد أنه تعلم من الحسين المحافظة على صلاته والإلتزام بها، كما روت الأحاديث كيف كان الحسين محافظا على صلاته، ولم يتركها أو يتغافل عنها رغم تكالب جيوش يزيد الملعون حوله، أخبرتني أحد الاخوات أن الحسين عليه السلام علمها أن تكون قوية مدافعة عن الحق، ملتزمة بسترها وعفافها متبعة وصية الحسين عليه السلام، لإخته زينب عليها السلام، حرة ترفض الإنسياق خلف مغريات الدنيا وزينتها وزخرفها، وقال لي فتىً يافع أنه تعلم من الحسين العز والكرامة، وأن لا يحيد عن الحق هو سيكون فتىً رسالى يبلغ ما أمر الله به وينهى عما نهى عنه، ويحصن نفسه ضد المغريات التي يتعرض لها الشباب في وقتنا هذا، وهي مغريات كثيرة ومخيفة تحاول أن تجر شبابنا للهاوية لولا رحمة الله.
حدثني شيخ حكيم أن الحسين عليه السلام عِبْرة وليس عَبْرة، أي درس بليغ وليس دمع فقط يسكب من العيون، وختمها البعض بأنهم تعلموا أن من الحسين عليه السلام أن يكونوا مظلومين لينتصروا.
توقفت هنا قليلا هل من الممكن أن يتنصر المظلوم الذي سلب حقه، كيف؟! وهل ذكرت الأدبيات في التأريخ، أن المظلومين إنتصروا يوما وخلدتهم القصص والمآثر؟.
يزخر التأريخ بقصص الظالم والمظلوم وكيف تم تخليد كلاهما في الادبيات، لكن تخليد الظالم يختلف عن المظلوم، فالأول خُلِد منبوذا مذموما، والثاني خُلِد بطلا وأنموذجا يحتذى به، وهذا ما حدث للظالم يزيد الملعون وسيد الشهداء الحسين عليه السلام.
” تعلمت من الحسين أن أكون مظلوما فأنتصر“، هو دليل على أن ثورة الحسين عليه السلام وأهدافها عالمية وإنسانية.
ولن تختص بالشيعة فقط، وهنالك من فسر هذا القول بالتفسير السلبي، بأن الحسين عليه السلام، إستكان للظلم وإستسلم إليه، ولم يتحرك لرفع الحيف والظلم عن أهله وعن نفسه، إلا أن المعنى الأصح والأدق هو أننا تعلمنا من الحسين، كيف نحول مظلوميتنا للإنتصار، تلك المظلومية التي حاول الطغاة والمتجبرين بإمكانياتهم الكبيرة وإعلامهم المضلل.
أن يفرض ما يريده من صورة مشوهة عنها، لكن هنالك فرق بين من يمتلك الإرادة الحرة ويأبى الضيم ويرفض الذل، ويتحلى بالصبر والشجاعة وبين من أحب الدنيا وظلم وطغى وتجبر، وهذا ما أثمرت عنه تضحيات الحسين حيث إنتصرت إرادته الحرة على يزيد وجلاوزته، فالإنتصار الذي تحقق ليس إنتصارا عسكريا أبدا، فالغلبة كانت ليزيد الملعون ومعسكره، والذي قام بإزاحة المعارض الثوري الحسين عليه السلام من طريقه.
إن النصر الذي تحقق للحسين هو نصر الغلبة بالحجة والبرهان ونصر الشهادة والتي هى أعلى وأسمى درجة ينالها الإنسان، وها قد نالها الحسين عليه السلام في معركة الطف.
كما أن النصر والغلبة لمعسكر الحسين تجسد في إهلاك الظالم ومعسكره، بإنزال عذاب الله عليهم بدعاء أبي عبدالله وكيف كانت نهاية كل من شارك بقتل الحسين نهاية بشعة قبيحة. والنصر الذي تجلى بخواتيم الأمور، وهو الوعد الرباني لأولياء الله وهو إنتصار الغاية والهدف والعقيدة، التي دعا إليها الحسين عليه السلام، وتلك صورة من صورة الإنتصار التي لم تنحصر قط بالجانب العسكري، بل تتعداه الى صور إنسانية وعقائدية فاز بها معسكر سيد الشهداء عليه السلام.
هنا نلمس درسا مهما يجب أن يكون عالقا في عقولنا، أن المعركة بين الخير والشر قائمة منذ الأزل، وهي مستمرة ومتواصلة تارة ينتصر فيها الحق وتارة أخرى تكون الغلبة للباطل، معطيات متغيرة وأزمان مختلفة تؤثر على ميزان القوى بينهما، هي معركة مصيرية تتحدد بالمعطيات الخاصة بكل زمان ومكان، فأدوات المعسكرين تختلف بإختلاف الزمن، لكن النهاية الحتمية والموعودة هي ذاتها لن تتغير، ذلك الوعد الإلهي القاضي بإنتصار الحق ومعسكره على معسكر الباطل وجنده.
وها نحن اليوم نعد العدة ونتهيأ للمعركة الفاصلة بين الخير والشر، تلك المعركة التي سيقودها مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وجنده من أجل أن تكون الأرض كلها خالصة لعباد الله الصالحين المنتجبين.
وفي الختام أيها الموالي المحب لآل البيت والمطبق لعقيدتهم الحقة، إستغل النعمة التي حباك الله بها لتلعب دورا مهما في هذه المعركة المصيرية وكن جنديا من جنود صاحب الأمر والعصر، ممهدا لظهوره الشريف وناصرا له في غيبته، متهيء لظهوره من أجل نصرته، عن طريق تمسكك بدينك وقرآنك وعبادتك، ودفاعك ع الحق والوقوف في وجه الظلم ورفضه، كن أنت المدافع والحامي للرسالة السماوية ونهج آل محمد الاطهار.