جواهر عَلَويَّةٌ: كَما تَدينُ تُدانُ، كَما تُعينُ تُعانُ..!

السيد بلال وهبي ||

📢 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “كَما تَدينُ تدانُ، كَما تُعينُ تُعانُ”

 

سُنَّة من سُنَنِ الله الجارية في الحياة، والحياة لا يمكن أن تقوم من دون سُنَنِ ثابتة مُطَّرِدة لا تتبدَّل ولا تتَحوَّل، فمن دونها لا تنتظم ولا تستقيم، ومن دونها لا يمكن للمخلوق أن يعيش حياة مستقرة منتظمة، وإن وعي الإنسان لهذه السُّنَن كفيل بأن يصنع منه إنساناً حكيما في حركته، إيجابياً في سلوكه وعلاقاته وتعامله مع الآخرين.

كما تدَين تُدانُ، أي كما تَصنَع يُصنَع بك، وكما تُعامِل تُعامَل، وكما تُجازي تُجازى، وهي سُنَّة عظيمة مُطَّردة في جميع الأحوال، ويُعَبَّر علماء العقيدة عن هذه السُّنَّة بأن الجزاء يكون من جنس العمل، وقد دلَّت على ذلك الكثير من النصوص القرآنية والروائية الشريفة، منها قوله تعالى: “وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿15/ البقرة﴾ فإن الله تعالى يعاقب المنافقين بجنس ما يذنبون ويرتكبون، إنهم يستهزئون فيستهزئ الله بهم، يخيّل إليهم أن حيلتهم انطلت على المؤمنين، وأنهم لم يكتشفوا حقيقة أمرهم.

وقال تعالى: “الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿79/ التوبة﴾ إن المنافقين يلمزون المُطَّوعين ويسخَرون منهم ويتهكَّمون عليهم فيجازيهم الله بجنس فعلهم فيسخر منهم ويجعلهم موضع سخرية المؤمنين.

ورُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَنْ عَيَّرَ أَخاهُ بِذَنْبٍ قَدْ تابَ مِنْهُ لَمْ يَمُتْ حَتَّ يَعْمَلَهُ”. فهذه سُنَّة أخرى يكشف عنها رسول الله (ص) ومفادها: أَنَّ العقوبة على الذنب تكون من سنخه هو، فمَن عَيَّرَ أخاه بذنب، وقع هو فيه عقابا له على تعييره، مع ما يستلزم ذلك من مَهانة وذِلَّة، وصيرورته هو مَحلاً للتعيير من قبل الآخرين، فضلا عن عقوبته الأخروية. ومثل ذلك ما رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَرْحَمْ لا يُرْحَم”. وقوله (ص): “مَنْ فَتَحَ عَلى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ”. وقوله (ص): “مَنْ يَسْتَكْبِرْ يَضَعْهُ اللهُ”

 

هذا في الجانب السلبي من الأفعال والتعامل مع الناس ومع الله تعالى، فالعقوبة من جنس العمل، كما يَدِينُ المَرْءُ يُدان، أما في الجانب الإيجابي فالسُّنَّة هي هي والثواب من جنس العمل، وقد دلت على ذلك طائفة من الآيات والروايات الشريفة، منها قوله تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴿60/ الرحمن﴾ فكما يُحِسِن المرء بأعماله يُحسِن الله إليه برحمته. وقوله تعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿22/ النور﴾. فكما يغفر المرء عمّن أساء إليه يغفر الله له، وكما يصفح عنه يصفح الله عنه.

ورُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَنْ رَدَّ عَنْ أَخِيْهِ غِيْبَةً سَمِعَها في مَجْلِسٍ، رَدَّ اللهُ عَزَّ َوَجَّل عَنْهُ أَلْفَ بابٍ مِنَ الشَّرِّ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَردَّ عَنْهُ وَأَعْجَبَهُ كانَ عَلَيْهِ كَوِزْرِ مَنْ اغْتابَ”

وعنه (ص): “المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ”.

 

وهكذا كلّما تأملنا في حوادث الأيام، نجد أن سُنَّة الجزاء من جنس العمل الله جارية لا تتخلف، مُطَّردَة في جميع الصعد، وذلك مقتضى عدل الله وحكمته سبحانه وتعالى، فمن عوقِبَ بجنس ذنبه لم يُظلَم، ومن دانك بما دنته به لم يتجاوز عليك.

✍ السيد بلال وهبي

فجر يوم الأحد الواقع في: 28/7/2024 الساعة (04:05)

شاهد أيضاً

مهما كانت النسبة.. أمانة بغداد: مستعدون لموجة الأمطار المقبلة

قال المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي، ان الأمانة لديها لجنة دائمية هي لجنة الاستعداد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *