المتطفلون..!

نعيم الهاشمي الخفاجي ||

لدينا في الموروث الثقافي أقوال ومصطلحات، تتحدث عن حالات لتصرفات يعملها بعض البشر، تصبح فيما بعد ظواهر اجتماعية عالمية، لاتخص شعب معين، ومن هذه الظواهر السيئة، كثرة المتطفلين، لذلك بات التطفل ظاهرة اجتماعية عالمية، ومستشرية بشكل كبير في دول الشرق الاوسط بشكل خاص، من خلال تدخل الأشخاص بشؤون بعضهم البعض الآخر.

الإسلام كشريعة، وضع قواعد صحيحة صلبة، في التحذير من التدخل بشؤون الآخرين والتجسس عليهم، وحرم ذكر الناس وهم غير موجودين، أحاديث نبوية كثيرة وردت في تحريم مثل هذه التصرفات السيئة، فيلسوف الإنسانية الكبير المتألق عبر العصور الإمام علي بن أبي طالب ع تحدث عن ذلك، ولديه قول بليغ وكل أقواله بلغية، من تدخل بما لا يعنيه سمع مالا يرضيه.

إن قضية سعي الكثير من الناس في مجتمعاتنا العربية في التدخل فيما لا يعنيهم، وحب استطلاع بخصوصيات الآخرين، ونشر الفتن بين أبناء المجتمع الواحد، حالة سيئة، ما يفعل ذلك سوى الأشخاص المتطفلين الذين يتدخلون في شؤون الغير بدون أي سبب، وهذا التدخل بات ظاهرة اجتماعية سلبية منتشرة في كل المجتمعات العربية، مع اختلاف صورها من مجتمع إلى آخر حسب ثقافة كل مجتمع عربي، فهي ظاهرة سيئة تفتقر للأخلاق والقيم.

خلال حياتي الطويلة ولقائاتي مع مئات الأصدقاء من أبناء الجاليات العربية والإسلامية المقيمين في مملكة الدنمارك، وجدت ظاهرة التطفل منتشرة بين اوساط غالبية الشعوب العربية، هذه الظاهرة الاجتماعية السلبية منتشرة في المجتمعات وواصلة إلى حد النخاع.

بل هذه الظاهرة تحدث عنها علماء متخصصين بعلم الاجتماع، وقد اثبتت

معظم الدراسات أن التطفل سلوك اجتماعي غير مرغوب فيه، لأنه يدفع المتطفل نحو الإيذاء بدوافع داخلية وخارجية ناتجة عن عدم الشعور بالرضا الذاتي وعدم الإشباع العاطفي، والحاجة الدائمة إلى الاحترام كاعتبار إيجابي محفز ولو كان على حساب الآخرين، المتطفل يريد احترام ومديح له لأنه يشعر بعقدة نفسية بعضها لأسباب دونية، وفقدان الهوية، والتعرض للاضطهاد القومي والمذهبي والديني والقبلي والعرقي لقرون طويلة، تنتج لنا أشخاص يعيشون العبودية بعصر التحرر والحرية.

مخطىء من يعتقد أن التطفل محصور في قرية أو مدينة أو في بلد عربي معين، التطفل بالشرق الأوسط بات ظاهرة عربية، وبالتأكيد ظاهرة التطفل، هي عربية الأصل والمنبت، ومنذ قديم الزمان، ويؤكد ذلك، وجود آيات قرآنية تحذر من ذلك، ووجود أحاديث نبوية صحيحة تحذر الأمة من هذه التصرفات المسيئة، الإسلام اتخذ موقف صار من هذا السلوك الاجتماعي المشين، لذلك نزلت آيات قرانية، حرمت به هذا السلوك الشائن، في تدخل البعض في ما لا يعنيهم، بل التطفل لدى القوى الدينية الوهابية سمح لكل من هب ودب يصدر فتاوى في قتل وسبي كل من يخالفهم في الرأي والمعتقد، وبحجج كاذبة لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، ولا في الشرائع والقيم الإنسانية المعمول بها في الديانات السماوية والوضعية بكوكب الارض.

بعد هروبي من العراق جمعتني الظروف مع مجتمع عراقي يضم كل محافظات العراق بما فيهم الاكراد، وجدت يسمون صنف المتطفلين لكل شخص من هذا النوع بالقول أن فلان طفيلي، وخلال وجودي بالغرب وجدت الجالية المصرية يسمون هذا النوع من البشر السيء في الحشري، حشري وطفيلي، التسمية متشابهة، مابين العراقيين والمصريين، التسمية العراقية طفيلي يعني من صنف الطفيليات المضرة، والتسمية المصرية حشري والحشرات نوع قريب من الطفيليات الضارة فكلاهما نفس المضمون.

في حياتنا للأسف عانينا من وجود أشخاص في مجتمعاتنا مصابين في مرض التطفل لذلك تجد المتطفلين في الكثير من المجالس، شغلتهم صناعة مشاكل وفتن، وهؤلاء ليسوا من اهل العلم والمعرفة، حتى تمكنه من أن يدخل في أي نقاش، معظم الناس من أصحاب الرأي يعرفون هؤلاء المتطفلين أنهم ليسوا من اهل الرأي الصحيح والسديد، وإنما فارغين ويفتقرون لكل القيم الإنسانية والإسلامية، وإن لبس بعضهم لباس التدين والجهاد، رحم الله الممثل خليل الرفاعي ابو فارس في إحدى مسلسلاته قال سخم وجهك وصير حداد، اليوم بمجتمعنا قصر ثيابك وطيل لحيتك واستعمل المسواك تصبح، شيخ سلفي وهابي أصيل مبشر بالجنة من قبل ابن تيمية وابن عبدالوهاب، وعلى المستوى القبلي اشتري عقال وشماغ وصاية وبيدك مسبحة وخلي وراك خمسة أو عشر أشخاص يمشون ورائك أصبحت شيخ تقبل هذا بمجموعتك، وتطرد هذا ههههه شر البلية مايضحك.

في السابق وخاصة بعهد صدام الجرذ كانت الناس لاتستطيع الحديث بكلمة بظل وجود نظام قمعي مجرم، بعد سقوط نظام البعث ودخول الإنترنت وكثرة الأموال سواء بالحلال أو بالسرقة، وبظل وجود الفيس بوك أصبحت ظاهرة المتطفلين واسعة، أما بالزمن السابق بعهد البعث وهدام كان لا وجود لهؤلاء المتطفلين وكان تأثيرها محدود، أما بالوقت الحالي أصبح الوضع مختلف، أصبح عصرنا عصر المتطفلين للاسف، شيخ وهابي أصدر فتوى، أن كل شخص يعتقد أن من يمرض ويطلب الشفاء من العلاج يقع في المعصية، لأن العلاج الأمثل هو شرب ابوال البعير والحمار، هؤلاء لديهم في كتب الحديث السُني يؤكد حجتهم في العلاج ببول البعير وهذه الأحاديث ليس عليها اجماع، فهي أحاديث مختلف عليها.

من نماذج المتطفلين بوقت عدم وجود سلطة، نقل لي صديق اكاديمي من قبيلة بني مالك، قضية حدثت في بغداد، بعد سقوط نظام صدام، شخص اسمه …… فكر بطريقة محترفة، لديه مبلغ، اشترى سيارة حديثة، وتزين بزي ناسك، واحاط به بعدد من الشباب، الجماعة يدخلون لمحطات الوقود، يفولون بشكل مجاني، ضباط شرطة وجيش يؤدون له التحية، فرض على التجار أن يعطوه اموال، بقي يمارس هذا الأسلوب سنوات، بعد أن قويت سلطة الدولة، صاحبنا الناسك المتعبد، خلع لباس التدين المصطنع، وذهب إلى حانة من حانات بغداد محمية من سفارات دول كبرى، وعاد إلى أصله الحقيقي، وأصبح مطرب يغني بتلك الحانات، مع احترامي واجلالي وتقديري إلى الفنانين الشرفاء، الذين منهم من ناضل ضد دكتاتورية نظام البعث، ومنهم صديقي المطرب الطيب الأستاذ قحطان العطار، الغناء والموسيقى والتمثيل فن يعبر عن أحاسيس المجتمعات ومشاعرها، الأمم الحية متألقة بكل مجالات الحياة، ويلعب الفانيين دور مهم في رقي مجتمعاتهم.

في الختام لدى الشيعة مناسبات دينية وبالذات شيعة العراق، كل عام يحيون شهر محرم بحضور الملايين، وكذلك لديهم زيارة اربعينية الإمام الحسين ع، يحضرها عشرات ملايين المسلمين الشيعة من العراق والخليج وإيران ومن كل بقاع العالم، يفترض في القوى الشيعية والمؤسسات الدينية والحزبية الشيعية، جعل مواسم شهر محرم، وموسم زيارة الأربعين مناسبة للتعاون والتصالح والإخاء وحب بعضنا البعض الآخر، والتعاون ونبذ الخلافات الجانبية والسير في سيرة أئمتنا الأخلاقية في التعاون ونبذ الخلافات الجانبية، والعمل أن يكون الجميع أخوة متحابين، وخاصة نحن في بلد بات ساحة إلى صراعات الدول العظمى التي لا تريد لنا الخير، نحن مقبلين على انتخابات برلمانية، يفترض تقليص عدد القوائم الانتخابية، وتقليص عدد المرشحين، لتفادي تشتت الاصوات.

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي

كاتب وصحفي عراقي مستقل.

28/7/2024