النفس الأبية هانت وما كانت..!

زمزم العمران||

وصف القرآن الكريم الذين يتميزون بالوفاء بالعهد بأحسن الصفات؛

(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)

ينتقل العبّاس (عليه السلام ) من جيل الى جيل، ليس كتراث للإنسانية فحسب، بل كعامل مساعد لضمير البشرية كلّما عصفت به أزمة المثل العليا ، فالعباس أبن علي بن ابي طالب أيقونة البطولة والايثار والوفاء ،التي جسدت أعظم مثال للتعاضد الأخوي عندما كانت حرب السيوف تسمح لمقاتل واحد شجاع أن يقلب ميزان القوة بمفرده فيمنع الكثرة من أن تغلب القلّة .

مثّلت وقفة أبي الفضل في كربلاء شمماً وإباءً وتعالياً في الحق وكبرياءً كونه رضع من لبن البسالة وتربّى في حجر الإمامة، فترعرع ونُصب عينه أمثلة الشجاعة والتضحية دون النواميس الإلهيّة، لمطاردة الرجال وجندلة الأبطال ، فأمّا فوزٌ بالظفر أو ظفر بالشهادة، فمن الصعب عنده النزول على الضيم، وهو يرى الموتَ عند مشتبك الأسنّة أسعد من حياة تحت الاضطهاد، فكان لا يرى للبقاء قيمة وإمام الحقِّ مكدور ، وعقائل بيت الوصي قد بلغ منهن الكربَ كلَّ مبلغ، ولكن كما كان (عليه السلام ) أنفس الذخائر عند السبط الشهيد وأعز حماته لديه وطمأنينة الحرم بوجوده وبسيفه الشاهر ، ولوائه الخفّاق وبطولته المعلومة لم يأذن له إلى النفَس الأخير من النهضة المقدّسة، فلا الإمام الحسين يسمح له, ولا العائلة الكريمة تألف بغيره، ولا الحالة تدعه، أن يغادر حرائر أبيه بين الوحوش والكواسر .

كان الإمام العباس (عليه السلام) ، صاحب اللواء فمثل أمام أخيه الحسين (عليه السلام) يستأذنه فلم يجد أبو عبد الله بُداً من الإذن له، والسكوت عن تلك الكوارث الملمّة من دون أن يأخذَ ثأره من أولئك المرَدة الفجَرة، فعرفه الحسين (عليه السّلام)مهيأ ينظر إلى اللواء مرفوعاً، كان يرى العسكر َمتَّصلاً والمدَد متتابعاً والأعداء تحيط به من كلِّ جانب، وفي نفس الوقتِ تحذر صولته ويُرهب إقدامهُ وحرائر النبوّة مطمئنة بوجوده، فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) أنت صاحب لوائي, والآن جاء دورك ولكن اطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء، فذهب أبو الفضل العباس إلى القوم، ووعظهم وحذّرهم غضبَ الجبّار فلم ينفع، فرجع إلى أخيه يخبره، فسمع الأطفالَ يتصارخون من العطش فنهضت بساقي العطاشى غيرته الشماء ، وأخذ القربةَ ، وركب فرسَه وقصد الفرات فلم يرَ الجمعَ المتكاثر وكشفهم شبل علي عن الماء، وملك الشريعة ، ومذ أحسَّ ببرده تذكر عطش أخيه الحسين فرأى من واجبه ترك الشراب لأنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه أضرَّ بهم العطش، فرمى الماء من يده، وأسرع في القِربة محافظاً على مهجة الإمام الحسين (عليه السلام) ورجع قائلاً:

يا نفسُ من بعد الحسين هوني وبعده لا كنتِ أن تكوني

هذا الحسينُ واردُ المنونِ وتشربين باردَ المعينِ

هيهات ما هذا فعالُ ديني ولا فعالُ صادق اليقينِ

العباس قائد لواء الأمام الحسين أبلى بلاء كبيرا في الدفاع عن أخيه (عليه السلام) وأهل بيت النبوة والصحابة الابرار،فقد شهد له أحد فرسان الطاغية يزيد بهذه الشهادة قائلا:
( والله لقد برز لنا قوم مرغوا الأرض بدمائنا، وأشار إلى رأس العباس بن علي وقال: لما برزا لنا صاحب هذا الرأس فررنا بين يديه كالجراد، وكنا ما بين هارب ومقتول، لقد وقف في الميدان ودعا خيرة أبطالنا للمواجهة فلم يسلم منه أحد، ثم توجه الى النهر وكشف الكتائب وهزم الفرسان ولم يثبت له أحد حتى ملك الفرات بسيفه، وملأ القربة، فقاطعه يزيد سائلا: وكيف قتل، فأجابه الفارس وقد طأطأ رأسه الى الأرض قائلا: قتل غدرا!!
لقد أطلقنا عليه آلاف السهام فلم يرتدع! وأحاط به الجيش بين ضرب السيوف وطعن الرماح ورشق النبال والحجارة، فلم ينكسر!! ولم نتمكن من أن نتقرب إليه حتى قطعنا كفيه غدرا !! ) ، فتكاثروا عليه وقطعوا طريقه فلم يبالِ بهم وجعل يضرب فيهم بسيفه البتّار حاملاً شجاعة والده ، فكيف يصمدون أمامه، وهو شبل علي وفي هذا الموقف أنشد قائلاً:
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رقا حتى أوارى في المصاليتِ لِقا

إنّي أنا العباسُ أغدو بالسِّقا ولا أهابُ الموتَ يومَ المُلتقى

إنّ من يخسر يديه في سبيل الحق، فسوف يعوّض عنهما بجناحين يطير بهما في الجنّة ،
وإنّ من يخسر بصره في المجابهة مع الباطل، فسوف يعوّض عنها ببصيرة نافذة تخرق حجب الأوهام ،
وإنّ من يخسر قمّة رأسه في الدفاع عن الإيمان، فسوف يترب‍عّ لا محالة، على رأس القمّة ،
سبقته اعضائه الى الجنّة ،
وتقطّعت أوصاله، قبل ان تنقطع أنفاسه ،وبتلك الشّهادة المتميّزة، تحوّل من شخص الى شاخص..
ومن مؤمن الى رمز للإيمان..
ومن بطل الى رمز للبطولات..

ولدينا اليوم أسوةً بأبي الفضل العباس عليه السلام الذين تعلموا الوفاء والدفاع عن الحق والحقيقة ، فكان الإمام العباس مثلهم الأعلى الذي يرمز لأخوتهم النقية هم الشهداء السعداء وسام العلياوي وعصام العلياوي الذي دافع عن أخيه حتى الرمق الاخير له وأثبت للعالم أجمع أن مدرسة ابا الفضل العباس مازالت تثمر وتخرج ابطال لايرضخون للظلم والجور حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم .

فسلام على ألأنموذج في الوفاء العقائدي الشهيد البطل أبو الفضل العباس ابن علي (عليه السلام) ( قمر بني هاشم) ، الذي استشهد وهو يدافع عن الحق والعدل ضد الظلم والجور.

شاهد أيضاً

لحظة تاريخية لفلسطين . . السفير رياض منصور في مقعد رسمي للجمعية العامة للأمم المتحدة

جلس مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور على مقعد رسمي في الجمعية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *