المظاهر ومصاديق الفساد في الارض..!

كوثر العزاوي ||

لم يكن المظهر يومًا هو معيار يؤشر على صلاح أو فساد الإنسان من دون النظر إلى جوهرهِ ومايُثبِت من حركة الفضيلة وسَيْر الإستقامة في المجتمع، إنّ قيمة الإنسان الوحيدة إنما تكمن في إنسانيته وأدبهِ وعطفه ولطفه مع الآخرين، ولا قيمة لمنصب ولا مرتبة علمية ولا مال ولاحسَب ولا شكل ولا أي شيء من ظواهرَ ومظاهرَ زائفة زائلة ما لم تتوّج بالورع والتقوى لتبرر القيمة الحقيقية التي هي الجوهر الكامن في الإنسانية الواقعية بما تجسّده الأرواح المتفانية من عمل صالح، ومواقف صادقة، وما تقدِّم من خدمات وتضحيات، بما تمتلك من عِلم ودين، وخُلُق سامٍ، وسماتٍ واقعية فاضلة، وقد يرِد سؤال: ترى! هل لمثل أصحاب المقامات ومَن وَهَبهُ الله مكانة اجتماعية أو مرتبة علمية أو دينية أو سياسية أو غير ذلك حصانة تمنعهم من الانحراف أو المنزلقات؟! ألا يُخشى على مثل أولئك من الاغترار بالنفس والدنيا لما فيها من جاه ومال وتفاخر علی الناس، ليكون ذلك سببا للهلاك في الدنيا والشقاء في الآخرة؟! والحق أن الجميع بلا استثناء في معرض التمحيص من حيث لايشعرون، فمنهم من يغشاه العُجب والطغيان لغفلته المطبّات المتنوعة في طريق الإنسان، مالَم يأخذ حِذْرهُ في معترك الحياة، وخوضه غمار شدائدها وتداعياتها، فلعل الطغيان أو الإغترار بنعمِ الخالق المنعمِ، مما يجعل هذا الصنف الغافل يشعر بالكبرياء وانتفاخ الشخصية وضخامتها، للحدّ الذي يدفعه إلى احتقار الآخرين وإذلالهم والتعامل معهم بطريقة استعلائية، لأنه يرى أن امتلاكه المال أو الجاه يبرّر له غروره وعلوّه!، وثمة طغيان ينطلق ممّا يملكه الإنسان من قوة، سواء كانت قوة بدنية أو قوة سلاح أو قوة سلطة، أو قوة عددية من الناس الذين يتّبعونهُ، كونه رئيس عشيرة أو حزب أو منظمة أو طائفة أو شخصية سياسية أو اجتماعية عادية، سيما وأنّ استشراء ظاهرة ماتسمى بال(ترند) قد أضحت عامل إغواء لترى تعاظم السبق في كل مواقع الحياة، فينبري أرباب الشهرة في غيّهم يعمهون، وقد يرى أحدهم أنّ له الحق على الناس وليس لهم الحق عليه، فيطغى إذا توفّرت له ظروف التحكّم والتدخّل في قضايا الناس، أو جذبهم الى ساحته طوعًا أو كرهًا، وهذا غالبًا هو منشأ صناعة الطواغيت الذين يتجاوزون حدود العدالة والإنسانية في تعاملهم مع الآخرين سيما الذين يخالفونهم الرأي والمنهج الفكري، إذ قال الله فيهم:{وإنَّ لِلطَّاغِينَ لَشرَّ مَآبٍ} ص٥٥ لذا أعدّ علماء النفس مرض الطغيان من أكبر الأمراض الداخلية”الباطنية” التي تجعل الإنسان طاغيًا، وإنّ التكبر والعلوّ، هما المحور الجامع المشترك بين الطواغيت، إذ لا يوجد طاغيًا في الكون غير متكبر، حاكمًا كان أو محكومًا، وكل طلب للعلو في الأرض منهيٌّ عنه، لأنه منشأ الفساد في الأرض، ولذا نجد المتقون هم الذين لا يريدون العلو ولا التفاخر بالجاهِ علی الآخرين، رغم علوّ مقاماتهم الدينية والاجتماعية والعلمية، لأنّهم يرون وظيفتهم إعمار الأرض وخدمة عباد الله، أما الهدف والغاية، هي الدار الآخرة، فإنهم مصداق صريح لقوله”عزوجل”
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}القصص٨٣
‏أجل، أولئك الإنموذج المشرق، إنهم غير مستكبرين ولامفسدين في الأرض، وليس هذا فحسب، بل قلوبهم مطهّرة من هذه الرذائل، وأرواحهم منزّهة من هذه الأدران! فهم يفقهون علّة كل ما نهی الله عنه بأنّ ذلك خلاف نظام خَلقِ الإنسان و تكامل وجوده حتمًا، وإنّ اقتراف كل ما نهی الله عنه يدمّر نظام حياة الإنسان، لذا فهو أساس الفساد في الأرض! كما أنّ مسألة الاستعلاء هي أيضا واحدة من مصاديق الفساد في الأرض، وقد أشار الله “عزوجل” في الآية المباركة الى أهم مصداقين من مصاديق تدمير النظام الأنساني
وحرمان الإنسان من المكاسب الباقية في الدار الآخرة هما: “العلو بمعنى الإستكبار والفساد”‏أما العاقبة بمفهومها الواسع الذي ينشدها كل مؤمن تقيّ، إنما هي النتيجة الصالحة، وهي الانتصار في هذه الدنيا، والفوز بالجنّة و نعيمها في الدار الآخرة.

٥-محرم الحرام-١٤٤٦هجري
١٢-تموز- ٢٠٢٤- ميلادي

شاهد أيضاً

وفد عراقي يبحث في أنقرة سبل حسم قضايا المياه لضمان حصص مائية عادلة للعراق

وصل إلى أنقرة قادماً من بغداد وفد وزارة الموارد المائية من أجل المشاركة في الاجتماع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *