كوثر العزاوي ||
في زمن التخلّي، وغَلَبة الإختلاف، وانعدام التوافق، أراني كل يوم أزداد يقينًا، بأنّ المرء لابد أن يخوض صراعًا بينه وبين نفسه مع ألف همٍّ وألف حزن وألف ضعف كي يبلغ مقدارًا كبيرا من التصالح وتنقية المناخ، حتى يتمكن من متابعة المسير مع الناس بثبات وثقة وتجاهل العديد من العادات التي أضحت مظاهر لاروح فيها، فنحن مضطرون من أجل التعايش معها لتجاوزها رويدًا رويدا، ولعلّ مثل هذا النمط من التعامل غالبًا يكون عونًا للمرء الغيور لمواصلة دوره الرسالي كمكلّف أعطى لله عهدًا لبلوغ الدور كخليفة في الأرض، رابط الجأش، قابض على دينه كما الجمر في الكفّ، متمسك بالقويّ المطلق، إذ شدّ أزره بالتوكّل على من بيده جميع الأسباب وهو الفقير إليه”عزوجل” أجل! هكذا يبدو المشهد في آخر المطاف، والحياة تحمل في طياتها الكثير من الأقدار التي لاتخلو من انواع البلاء، ولعلّ الإيمان بما تؤكده الروايات الواردة عن أئمة الهدى”عليهم السلام” إنما هي العزاء والسلوى، فقد ورد في الماثور: {ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيّض الله “عز وجل” له من يؤذيه ليأجرهُ على ذلك}! وهذا مايجعلنا أصلبَ عودًا ونحن نعي معتقِدين، أنّ الحياة فانية والمؤمن فيها غريب، وما الإبتلاء فيها إلّا سنّة، وهذا قوله “عزوجل” في كتابه العزيز: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ ونحن نقول: لا وحقكَ ياالله ماحسبُنا هذا وقد علمنا بأن الفتن والمحن والشدائد إن هي إلّا غربلة قد أصَّلَ لها الشارع المقدس من خلال القرآن العظيم والسنّة المطهرة، ولم ينجو منها حتى الأنبياء والأولياء وهم الأقرب إليك والأوْلى بصفو العيش، لكنها الدنيا جُبلت على كدر، لذا ترانا نزداد عزمًا ويقينًا بعد كلّ شدة، عازمين على مواصلة الطريق رغم وعورتها ووحشتها، فلا أقلّ من أن نكتب خواطرنا كي لا نختنق بالصمت، لما آلت إليه الدنيا من صادمات الأفعال والأقوال،ومفاجآت الأحوال، للحدّ الذي أصبح من يريد ترجمة صمته على الورق يختنق بالكلمات لغزارة الأحداث والملابسات واحتدام الشبهات وكثرة المبهمات! ورغم كلّ مايُكتَب ويُقال، يبقى في القلب أشياء وأشياء أكبر من أن تُكتَب وتقال، فثمّة مافي القلب حجيرات مغلقة، نخشى طَرقَ بابها حتى لانبكي أكثر فتضعف عزيمتنا ونُتَّهمُ بالنكوص والهزيمة! لذا ترانا نطيل الأمل على جُرف الإنتظار، نترقب ظُهور الأمل الموعود، حاملين جبال الحُزن بين ثنايا الروح، ومابين الخوف والرجاء نُصرّ على ما نتمكن من قليل العطاء، وقد ملأت زوايا حياتنا الوَحشة والغربة، في الوقت الذي لانتمنى أن يشارفَ صبرنا على النفاد، ولايوشك مصباح همّتنا على الإنطفاء، بل ولانريد لما نحمل من عشقٍ للرسالة والإقدام أن يَقرَبهُ الإنعدام، كلا، فالدنيا ظلام وزحام والتناقضات في تفشٍ وازدياد! وقد سُئل رسول الله”صلى الله عليه وآله”:
{مَن أشدّ الناس بلاءً في الدنيا؟ قال: النبيّون ثم الأمثل فالأمثل، ويُبتلى المؤمن بعدُ على قدر إيمانه وحسن أعماله، فمَن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومَن سَخُفَ إيمانه وضَعُف عمله قلَّ بلاؤه}.
اللهم نسألك الثبات وحسن العاقبة.
٢٤-ذوالحجة-١٤٤٥هجري
٢٩-حزيران-٢٠٢٤م