إلی الإمام الخميني العظيم..!

د.أمل الأسدي ||

كنت قد سمعتُ باسمك في عام (1986) حين كنت في الصف الأول الابتدائي، حفظت اسمك في أهزوجة، علموها لنا في المدرسة، فحفظناها بسرعة..
رجعت الی البيت وبقيت الأهزوجة عالقةً بلساني، فرددتها أمام أهلي، فوجدت الجميع ينظر إليّ، سألوني من علمك هذا الكلام؟ قلت لهم المعلمة علمتنا، وقالت: من يحفظها سيخرج في رفعة العلم ليصفقوا له ويعطوه هدية!
أجلسني أخي وقال لي: “اسمعي، هذا إمام عظيم، ويحبنا،وما يصير ابد نحچي عليه، مو تنسين هاي الحچاية؟ افتهمتي؟ ولاتسولفين بالمدرسة اي شي نحچي هنا”

أنا لا أنكر أني تعلقت بشخص الإمام الخميني منذ تلك اللحظة، فصرت أتجنب الإساءة إليه، خوفا ومحبة!
ومرت الأيام والأعوام، وكنت أشاهد ـ كغيري من الناس ـ التوابيت وأسمع الصراخ، من الجيران، ومن بيوت الأقارب، وفي الطريق!
وفهمت أننا نعيش صراعا، وأن صدام الظالم يأخذ الآباء والإخوة ليقاتلوا الخميني، ومن لايذهب سيقتله هو!
حتی تكوّن لدي فهم أن الأمر الطبيعي المفروض؛ هو أن تفقد الأسرة أحد أفرادها، وكنت أبكي سرا، من سيرحل من أهلي؟ من سيقتله صدام؟
وتوقفت الحرب، وصوت ياس خضر في كل مكان:
دگت أجراس الكنائس
كبرت كل الجوامع
سيدي شگد انت رائع سيدي!
وظل الخوف يكبر معي، فالاعتقاد بأن صدام سيقتل أحد أفراد الأسرة اعتقاد راسخ، وقد رأيته متحققا في بيوت أقاربنا وجيراننا، ولكن لا أعلم متی!
هكذا كبر معنا الخوف، في كل بيت خوف، وفي كل بيت: اشششش الحيطان الها اذان.. اسكتوا لايسمعونه!
اششش نصي صوت الراديو لايچفتون علينا!

وكنت أستعذب كلام أمي حين تقص علينا قصصا عن حياتهم في السابق، وتقول: كان السفر الی ايران متاحا!!
وأن السيارات تنطلق من الكاظمية إلی (الرضا)
نستمع إلی هذه الحكايات بدهشة وتعجب!
وتحكي لنا عن زيارة جدي إلی ضريح الرضا،وتستخرج صورة قديمة له بالأبيض والأسود وهو هناك!!

أستمع وأتساءل: هل سيأتي يوم ونری فيه إيران؟ كيف يكون هذا الشعب؟ لماذا يطلبون منا أن نكرهه؟

لماذا يكرهون الإمام الخميني؟ ولماذا علينا أن نكتم حبنا له؟
أساسا، من فرض علينا الكتمان والسكوت؟

لم أكن حينها أعرف أن كل ما يجري هو حرب علی الهوية، لم أكن أعلم حينها أنها حربٌ طائفية، حتی تحقق اعتقادي وقتل صدام أحد أفراد أسرتي، قتل أخي!
بعدها ازدادت المعاناة وكبرت، وكبر الانتظار معها!
وكبر حقدهم عليك، أيها الخميني، حتی بعد وفاتك!

ففي السادس الاعدادي الذي عدت إليه بعد انقطاع، كان آخر درس في يوم الخميس مخصصا للرفيق” ابو حنان”
يقدم لنا محاضرة ضدك وضد شعبك!
يقول عنكَ: دجال، خرافي، يعلم جنوده السحر، يقول لهم: اذا رددتم هذه الآيات لن يتمكن الجنود من رؤيتكم!
كان ذلك عام 2000م، ففي هذه السنوات الأمور اختلفت عن سابقها، صاروا يحاسبوننا علنا علی هويتنا، فتوقفنا المديرة في باب المدرسة في أيام عاشوراء، وتعيدنا إلی بيوتنا إذا لبسنا اللون الأسود!
قلت لها: عمتي توفيت، ولكنها أصرت علی عودتي، وطالبتني بشهادة الوفاة!
علی أية حال، حان موعد سقوط الصنم، وترك الجبناء أسلحتهم وفروا في الدرابين!
وظهرت صورك في كل مكان، في الأسواق والشوارع والبيوت، وشاهدنا فلما وثائقيا عنك!
ومع ذلك لم أدرك سر الكراهية تجاهك وتجاه شعبك!
حتی زرت إيران أول مرة، كنت مندهشة جدا وأنا أنظر إلی اسم( علي بن أبي طالب) في أعلی الجبال!!
وأری أسم فاطمة الزهراء، وأری المواكب، وأری وجوه الناس وهم يسألونني عن بلدي ومدينتي، وبمجرد أن أجيبهم يقولون لي: التماس دعاء
إذن، هولاء الايرانيون الذين كانوا يحرضوننا عليهم؟!!
يحرضوننا عليهم لأنهم شيعة وحسب!!
لم يكن من المألوف لدي ولدی الأغلبية أن نلمس حضورنا وقوتنا وهويتنا في الواقع، هذا الشعور كان لذيذا إلی حد اللاوصف!
وكان جديدا وغريبا!
فهمت حينها لماذا يكرهونك!
يكرهونك؛ لأنك صنعت أمةً قوية، متحضرة، متقدمة!
يكرهونك؛ لأنك غيرت منحنی الحضارات، كسّرت جموده، ورفعت الحضارة الإسلامية من جديد!
يكرهونك؛ لأنك أكملت مشروع الدولة المحمدية العلوية!
يكرهونك؛ لأن الله منحك القيادة الناجحة، والقدرة علی المواكبة، إذ جعلت الدين يواكب الحياة، كسرت كل الادعاءات! فالدين لايوقف الحياة، ولايخدر الشعوب، ولايعزلها! ولا يهبط بها الی التخلف والجمود والجهل!
الدين معكَ يبني، يصنع، يطور، يتحدی، يربي!!
قل لي: أي المجالات تغفل عنها إيران؟
العلم، الثقافة، الفن، الصناعة، الزراعة، الاجتماع؟
قل لي أيها الراحل العظيم: كيف استثمرت النهضة الحسينية؟
هل تعلم أن صوتك مازال يرعب الشر، فتحسب الأرض حسابا لصوتك!
مشروعك غصة في حلق الشيطان وأتباعه!
مشروعك جدار الصد الإسلامي الذي يحمي المستضعفين، بالقول والفعل!
أيها السيد الجليل، عمامتك مدرسةٌ ولادة، انتاجها دائم، أرضك خصبة دوما!
عمامتكَ أم النصر، أم القادة، أم التحدي، أم البطولة!
أم الكرامة!
أيها المحمدي، كنتَ الدرس الأول الذي تعلمته في حياتي، وستبقی الدرس الحي الجاذب النابض!
فالسلام عليك وعلی كل قلبٍ تعلّم منك:
أن الحب يصنع المعجزات!

شاهد أيضاً

الصحة اللبنانية: مستشفيات الضاحية الجنوبية ستجلي مرضاها بعد الغارات الصهيونية

قالت وزارة الصحة اللبنانية إن المستشفيات الواقعة في ضاحية بيروت الجنوبية ستجلي مرضاها، غداة غارات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *