كندي الزهيري ||
إن عبارة «التاريخ يعيد نفسه» و التساؤل حولها، تطرح ضمن القضايا المتعلقة بفلسفة التاريخ. وظن البعض أن القصد من أن التاريخ يعيد نفسه هو تكرار الوجه التاريخي لحادث ما في زمان ومكان ثان لكن الأمر
ليس كذلك. و من وصية للإمام علي أمير المؤمنين (ع) للإمام الحسن بن علي (ع) كتبها إليه «اسْتَدِلُّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاءٌ وَلَا تَكُونَنَّ من لا تنفعه العظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فى إيلَامه فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعظُ بِالْآداب والبهائم لَا تَتَّعط إلَّا بالضَّرْب.» (١) والقصد من التاريخ يعد نفسه ليس تجديد وجه الحقائق، إذا ما كانت قد حدثت ذات مرة. ولا شك في هذا الخصوص بان تكرارا لا يحدث. إن التاريخ يعيد نفسه يعود إلى مجموعة السنن والقواعد الثابتة الجارية والمقدرة في الكون، القاعدة التي تنطوي في أي مكان وزمان وفي أي وجه تاريخي، على إمكانية التكرار والتجربة. وتوجد دائما مجموعة من القواعد والقوانين والسنن الثابتة وغير القابلة للتكرار في طبقات الحياة المادية والثقافية (العوالم الفيزيقية والميتافيزيقية ) تعيش معها الكائنات التي تسكن هذه العوالم وتنظم شؤونها. ففي العالم الفيزيقي، ثمة مجموعة من هذه القوانين والقواعد الثابتة وغير القابلة للتكرار والقابلة للتحديد والتأشير تملك البشرية وعيا واطلاعا بشأنها و تجربها. وبمحاذاة ذلك، هناك مجموعة من القواعد والقوانين الخفية الأخرى في العلاقات بين الشعوب والعالم الميتافيزقي يطلق عليها إسم «سنن التاريخ.» إن هذه السنن والقواعد تسهم في تواصل جميع الظواهر المنتشرة في الكون وتؤدي إلى إدارة عالم التكوين والتشريع بشكل أحسن، ومن دونها، فإن جميع العوالم سترتبك وتؤدي إلى التشرذم والإضطراب. وفي العالم المادي والفيزيقي، يتجمد الماء عند صفر درجة مئوية ويغلي عند مائة درجة مئوية، وهي قاعدة وسنة ثابتة وقابلة للتكرار ومقدرة يعرفها الجميع في كل عصر وزمان. ومع توافر الظروف والأسباب اللازمة وعلى يد أي كائن كان الزرادشتي و المسلم و … فان هذه القوانين ستظهر وتبدي آثارها ونتائجها. إن مجموعة القواعد الثابتة والجارية في الظواهر الفيزيقية وبنحو أدق في إطار السنن التاريخية وفي الظواهر الميتافيزيقية، قابلة للتحديد والتأشير. مجموعة من السنن الثابتة والتي لا تبديل لها، بحيث إن تواجدت أي أمة في ظروف تشبه الظروف التي تواجدت فيها أمة أخرى في موقع آخر وفي زمان آخر ، فان تلك القواعد ستظهر وتبدي . آثارها ونتائجها. إن هذا الظهور المتكرر للسنن والقواعد في الظروف التاريخية المماثلة، هو ما يطلق عليه التاريخ يعيد نفسه. إن معنى ومفهوم الإعتبار والاتعاظ بالتاريخ هو التذكر بالسنن الثابتة التي تجري على الدوام تظهر تلك السنن في كل مكان وفي أي هيئة يكون فيها الانسان وتكشف عن أثرها الوضعي ومن هنا يتضح معنى ومفهوم الآية المباركة:
«قَدْ خَلَتْ من قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبين.» (٢).إن النظر بما حل بالأمم السالفة والاتعاظ بها، لا يعني السياحة والتفرج على المعالم الأثرية والتاريخية. إن النظر يعني كشف ودرك السنن الثابتة والجارية في التاريخ. وهذه السنن، وبتلك الصورة التي حدثت فيها وقضت على الأمم الكاذبة، فانها ستقضي على سائر المكذبين في أي حقبة وعصر وهيئة. (( أوَلَمْ يَسيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذينَ من قبلهم كَانُوا أَشَدّ مِنْهُمْ قُوةً)) ( ٣ )…لكن وا أسفاه فان بني آدم لا يتعظون ولا يتذكرون! … إن النظر في القرآن والروايات المتعلقة بالمعصومين (ع) ودراسة مصير الأمم والشعوب، يجلعنا نواجه دفترا كبيراً وسميكا من السنن والقواعد الثابتة، أكانت تلك التي وقعت في صمت وفي جميع الأيام ،والليالي بين خلق العالم وأظهرت نتائجها، حتى وإن لا يوجد شخص واحد يعرف شيئا عنها أو أن يمارس عنادا تجاهها وتكون نتائجها مكروهة ومنبوذة لديه. إن الحكايات والتشابيه والأمثال الرائجة بين عامة الشعوب، تكشف في وجه عن الإنطباع العام والنظري للناس إزاء هذه السنن . إن الله تعالى ومن خلال تبيانه لمصير الأمم السالفة، يشير إلى الكثير من السنن الثابتة والجارية في العلاقات والتعاملات الفردية والجماعية للناس ويميط اللثام عن الحكم التي باتت مجهولة لعامة الناس.
مصادر :
١_ رسالة الإمام علي عليه السلام ، إلى الإمام الحسن المجتبى عليه إلسلام ، القسم ٢٧.
٢_ سورة آل عمران ، الآية ١٧٣.
٣_ سورة فاطر ، الآية ٤