كلُّ يومٍ عاشوراء، و كلُّ أرضٍ كربلاء..!

ماجد الحدّاد ||

حين وقعت المجزرة و الجريمة الفضيعة التي استهدفت العوائل النازحة في مخيّم رفح جنوبي غزة ، و شاهد الجميع مقطعًا مرئيًا لأبٍ يحملُ طفلهُ مقطوع الرأس ، و النيران تلتهم الخيام ، و النساء تفِرُ في البيداء .
خرجت المنشورات و النداءات من داخل غزة و خارجها ، و هم يقولون بما مضمونه : “الآن شاهدنا مصيبة عاشوراء ، و رأينا الرضيع..” ، و تفاعل الناس بمختلف انتماءاتهم و مذاهبهم الدينية مع المصيبة ، و أنتشرت بيننا نحنُ – الشيعة – أيضًا .
حتى خرج البعض ممن لا يعرفون من عاشوراء إلا النياح و العويل ، فأطلقوا الأحاديث و الروايات الواردة عن أئمتنا عن ضرورة عدم قياس أيّ أحدٍ مع أئمتنا و خصوصًا ما جرى في أرض كربلاء .
نحن – الشيعة الجعفرية – نؤمن و نعتقد بعُلُوِّ مقام أهل البيت (عليهم السلام) ، و أن مُحمّد (ﷺ) و آله هُم أفضل حتى من أنبياء أولي العزم ، فضلًا عن عامة الناس ، و كما ورد عن إمامنا الباقر (ع) : ” نحنُ أهل البيت لا يُقاس بِنا أحد “.
إن الخلاف على هذه المسألة ، ليس خلافًا بين رادود أو شاعر أو يوتيوبر ، بل أنه خلاف فقهي بين علماء فقهاء ، هنا على الجميع الحذر من السَب و الشتم و التكفير ، لأن الفقيه (و الرادّ عليه رادّ على الإمام..) ، و هو أصلًا ليس خلافًا جديدًا .
إن المُراد من التشبيه ليس المساواة أو التفضيل بين هذه المصيبة أو تلك التي بكَت عليها ملائكة السماء ، و إنما يُراد منه القول بأن ما بُذِل في عاشوراء من تضحية و فداء و مواقف عظيمة ، يجب أن نبذله في جميع أيامنا ، فمادام هناك جبهة للحق يقابلها جبهة للباطل ، و ما دام الشر يعم العالم فأن الخَير موجود أيضًا ، و يجب أن تقتدي كل الأيام بسيد الأيام عاشوراء ، و كل الأراضي بكربلاء .
فما رأيكم بقول الإمام علي الرضا (ع) : ” يا ابن شبيب ، إن كنتَ باكيًا لشيء فأبكِ للحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش ..” .
إذا كُنت باكيًا حُزنًا على ما حلّ بك من مصيبة ، فتذكر مصيبة الحُسين (ع) ، إذا فقدت أبوك فتذكر من تركَ أبوه عَلى صحراء كربلاء ، إذا فقدت إبنك فتذكر مصاب الحُسين (ع) بأولاده ، تذكر فحينها تهون مصيبتك .
قد أستعمل الإمام الرضا (ع) تعبير الكبش للتشبيه بعملية الذبح ، فكانت الصورة واضحة بعد هذا التعبير ، فلولا أن هذا التعبير وارد عن عن ثامن الأئمة ، لا يملك أيّ إنسان القدرة على أن يقوله .

ليس المقصود من كل أرضٍ كربلاء هي تلك الرقعة البالغة 42 كم ، أو ما بين الحرمين الشريفين ، و لا يعني أن كل يومٍ عاشوراء هو العاشر من محرم 61 للهجرة بالتحديد ، بل هو كل مكان و زمان يكون النهج الحسيني حاضرًا فيه ليواجه الطواغيت و الظالمين ، و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر في أمة رسول الله (ﷺ) .
ما الغاية من وجود الإمام من عدمه (ظاهرًا) ؟ هل وجوده يتحتم عليه أن يكون بلحمه و دمه في كل الأماكن و الأوقات ؟ أم أنهُ فكرًا و نهجًا و طريقًا للأمة ؟ أليسَ الإمام (كالشمس إن غيّبها عن الأبصار السحاب) ؟
يقول الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ، في كتابه (شهيد يتحدث عن شهيد) : ” لقد بقيت ملحمة كربلاء و ستبقى مشعلًا يُضيء الطريق أمام الأجيال ، و صرخة بوجه الظالمين في كل زمان و مكان ، و هزّة تنبعث في جسد الأمة متى ما اعترى هذا الجسد خمود و رکود “.

المُضحِك المُبكي ، إن مَن أعترض على هذا التشبيه بين عاشوراء و رفح ، هُم نَفسهُم الذين اعترضوا بالأمس على شعار ” كلنا عباسك يا زينب ” ، و عارضوا ذهاب المجاهدين للدفاع عن بيضة الإسلام و مرقد العقيلة (ع) ، و حماية المستضعفين ، بل وصلَ بهم الأمر الى التشكيك في كونَ قبر السيدة زينب (ع) ليس هذا الذي بالشام ، بل أنه ذاك القبر الذي في مصر ، فلا ضرورة بالدفاع عنه !.
لكنهم فجأة بعد أن استتب الأمن و الأمان ، و دحرَ المجاهدين جيوش التكفيريين ، و طردوا من الشام القديمة بقايا الأمويين ، حينها تذكر أولئك المشككون إن هناك مراقد في الشام لبنات رسول الله (ﷺ) ، فحملوا حملهم و جمعوا جمعهم ، و ذهبوا و انطلقوا للعزاء و اللطم و المسح بالطين ، و مارسوا هوايتهم المفضلة إذ ابتكروا شعيرة جديدة مميزة ، يركضون بكل طاقتهم و سرعتهم و يضربون أنفسهُم بأحد الأبواب ، سُمّيت هذه الشعيرة لاحقًا بـ (باب الجزع) !.

رحمَ الله السيد مهدي القزويني ، حينما قال :
أشاهدُ عاشوراءَ في كلّ ساعةٍ
و في كلّ أرضٍ كربلاء و مشهدا .

Check Also

عملية التعداد مستمرة في كركوك وسط دعوات شعبية للمشاركة الفاعلة لإنجاحها

عملية التعداد مستمرة في كركوك وسط دعوات شعبية للمشاركة الفاعلة لإنجاحها    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *