د.أمل الأسدي ||
كان للبعث ماكنة دعائية خبيثة وحاقـدة، تعمل علی التزييف والتضليل وبث الشائعات، ويترتب علی ذلك تفتيتٌ عميق وبطيء وخفي للعينة المستهدَفة، إذ عملت هذه الماكنة بنفَس طائــفي خبيث، استهدف الشـيعة بالدرجة الأولی ثم الأكراد، إذ كانت الدعاية البعثية توظف النكات والأهازيج “الهوسات” ضد الشيعة ومناطقهم وأعلامهم ورموزهم، لأن النكتة والهوسة سريعة الانتشار وخفية، غير مكشوفة، تهدم بصمت، وقد شهدنا هذه الحرب في ثمانينيات القرن الماضي ضد الإمام الخمـيني والجمهورية الإسلامية بقوة، وكانت” الهوسات” والنكات تنتشر بين الأطفال في المدارس، ولا يُعرَف من بثها ومتی وكيف؟
من ذلك
” عرموط عرموط
…. مربوط
مربوط بالسچة
يبچي علی مرته
مرته بالأمية
وتريد ممية”
ومثل ذلك أيضا:
صدام طب لبيته
طاحت عليه چكليته
…. طب للقاعه
طاحت عليه طرگاعه
وكذلك انتشار مقاطع كوميدية كان يقدمها عماد بدن، فأين ماذهبت تسمع” باد باد…”
ومن أساليب الدعاية البعثية إشاعة النكات ضد الجنود الشيعة الذين يزجونهم في ساحات المعارك ليواجهوا الموت، وإذا رفضوا فإن فرق الإعدامات الفورية تنتظرهم،
ومن ذلك انتشار نكتة عن جندي جنوبي يتصل بوالدته:
ـ حجيه.. الو الو يمه
ـ يمه ما اسمعنك صوتك بعيد؟ انته ياهو؟
ـ شلونچ يمه؟
ـ ما اسمعنك ابد
ـ انه كاظم حجيه
ـ ما اسمع يمه
ـ وديتلج فلوس بيد عليوي
ـ شكثر يمه؟
ـ ها بت الچلب تگولين ما اسمع؟!!
ومن أساليب الدعاية البعثيةـ أيضا ـ تشويه سمعة الخصوم، واستهداف المناطق التي تخرج منها أي حركةٍ واعية،أو يظهر فيها توجه معارض، أو المناطق التي يتمسك أهلها بهويتهم وعقيدتهم بقوة، ومن ذلك استهداف الكرادة والكاظمية، لأن هذه المناطق كانت مهدِّدة للبعث، وذلك لوجود طبقة واعية فريدة فيها، تشمل كل الفئات العمرية” الرجال والنساء والفتية” فهجم البعث علی هذه المناطق وشن حملات اعتقال واسعة، إذ يعتقل الأسرة كلها حتی الأطفال، وأعدم الكثير من الأعلام والنخب الشيعية ومن ذلك ماحدث مع الشيخ عارف البصري ومن التف حوله،
فلم تسلم النساء من السجون والتعذيب والموت، ولم يسلم الأطفال، ولم ينج الشيوخ وكبار السن!
وبما أن الكرادة كانت تمتاز بنسيج اجتماعي مترابط، وتمتاز بالالتزام الديني والتمسك بالشعائر الحسينية إلی الحد الذي تحول هذا التمسك إلی مثل شعبي، فيُقال للذي يحرص كثيرا علی إحياء الشعائر الحسينية” شيخلصها بعد؟ كرادة وعزا حسين”، وبما أنها كانت هكذا استهدفوها بالنكات والهوسات أيضا ومن ذلك:
هاي زيادة لعبد الساده
طلگ مرته وعاف اولاده
يوم الجمعة بالكرادة!
فلاحظوا الاسم”عبد السادة” ولاحظوا تهشيم صورة الأب” طلگ مرته وعاف اولاده” فالأنساق المضمرة لهذا الكلام، تخلق لدی الأطفال والناس عموما فكرةً مفادها: أن الآباء تركوا بيوتهم وأولادهم بسبب التفافهم حول الشيخ عارف البصري، والتزامهم بالدين!
ومن ذلك ـ أيضاـ اشاعتهم لعبارة” يس يم عباس مگطم” أثناء المسير العسكري، فتلاحظ الأطفال حين يقلدون مشي العسكر يرددون” يس يم عباس مگطم” في تحريض وتغذية خبيثة ضد الشيعة، فاسم عباس من أكثر الأسماء المتداولة في المجتمع ولايخلو بيت تقريبا من هذا الاسم لما له من مكانة واعتزاز لدی الشيعة، وكذلك لعلاقتهم الوثيقة جدا بأبي الفضل العباس(عليه السلام) فربطوا الأمرين معا، أولها استهداف مكانة أبي الفضل العباس ومحبة العراقيين له، والآخر خدمةً لفكرتهم الطائفية القومية الخبيثة؛ وهي اتهام الشيعة بأنهم عجم، والعجمي مگطم(أي لا أصل له) كما يعبرون عنه بمنهجهم البعثي الحاقد البعيد عن الإسلام، البعيد عن الشرف في تناول الحقائق، وإلا فالشيعة يمثلوم مخ القبائل العربية الأصيلة!
وفي التسعينيات وبعد الانتفاضة الشعبانية ازدادت حركة الدعاية البعثية ضد الشيعة عموما، وضد محافظاتهم، وكانت سيارات الأجرة خير وسيلة لبث الشائعات والدعايات والتحريض علی الشيعة، فكثيرا ما تجد صاحب التكسي يبدأ بشتم “عبد الكريم قاسم” مع أي ازدحام أو مطب، يكرر الشتم مرتين وأكثر ثم يقول: كلها من وراه هو جاب الشروگية” ولاتعرف كيف تنتشر النكات بين الناس ويبدأ الكثير بترديدها ومن ذلك:
هذا واحد من كربلاء اجه لبغداد، وشاف النافورة الملونة وگال: ما شاء الله اهل بغداد.. الشربت عدهم مطشر بالشوارع” والنكتة نفسها يكررونها مع أسماء المحافظات الأخری! أو تجدهم يدخلون أسماء شيعية ـ حصرا ـ في نكاتهم ويصغرونها مثل: كويظم، محيسن، احسين، جويسم، عليوي…الخ
ووصل الحال بهذه الماكنة القذرة أن تنال من المرأة العراقية الشيعية بألفاظ فاحشة وتشيعها بين الناس
ومن ذلك:
الزايرة اطير حمام الليل كله ماتنام
الزايرة… …. …..
ومن النكات الأخری التي تستهدف الجنوب:
اكو3 اصدقاء واحد من البصرة وواحد من بغداد وواحد من الناصرية لگوا مصباح علاء الدين وطلع الهم المارد، گلهم الكم حق تطلبون 3 امنيات بس، فابو البصرة طلب سفينة چبيرة بشط العرب، فگال المارد: شبيك لييك
وابو بغداد طلب بيت علی دجلة، فرد المارد : شبيك لبيك
وابو الناصرية طلب من المارد ان يلغي اماني اصدقائه وما يحققها!!
إذ كانت تعمل ماكنة البعث علی وصف سكان هذه المحافظة بالخبث والحقد، فهم ” الشجرة الخبيثة” كما كانت ماكنة الاحتلال الانجليزي تروج ضدهم؛ وذلك لتمردهم ورفضهم!
وغيرها من النكات التي تستهدف المعارضين للبعث أو تستهدف النسيج الاجتماعي الشيعي عموما، والهوية الشيعية، وتحاول حصر الشخصية الشيعية في إطار السخرية والسذاجة والازدواجية ومن ذلك:
واحد من الديوانية ناذر للعباس نذر من يتحقق مراده يودي للحضرة ثرية چبيرة، وصدگ انطاه مراده وهو ما عنده فلوس يوفي النذر!
شيسوي شيسوي؟ گال خن ابوگن الثريه مال الحمزة!
وراح بالليل واخذ الدرج وياه، وصعد ينزل الثريه!
هناك وشافه الگيم، گاله ها ولك جاي تبوگ الحمزة؟؟
گاله: اسكت اسكت اني موديها لليشلهمك ويشلهم الحمزة وياك!
وهكذا كانت الدعاية البعثية تعمل بلا هوادة علی الاستهداف الطائفي، ومن الملاحظ إن القنوات الفضائية الطائفية بعد سقوط طغمة البعث مازالت تسير علی المنهج الدعائي نفسه، وبحرية كبيرة ومن دون أي رادع!
ويضاف إليها صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الممولة من الخارج والداخل، التي تعمل باستمرار علی استهداف هوية الشيعة وشعائرهم ورموزهم ونسيجهم الاجتماعي، والأمثلة كثيرة جدا، نذكر منها استهداف محافظة المثنی بعد رفض العشائر بيع بادية السماوة للسعودية، فعلی أثر ذلك شنوا حملةً ممولة وممنهجة للسخرية من المحافظة وأهلها، وهذه الحملة نوع من الحرب النفسية، وأيضا نوع من الانتقام من المحافظة وشيوخها الذين رفضوا تسليم أراضيهم لمن أرسل المفخخات والانتحاريين الی العراق!
إذن؛ علينا مواجهة حرب الدعاية والشائعة ومحاسبة القائمين علی مثل هذه الأعمال، وعلی مؤسساتنا التعليمية والتربوية العمل علی تحصين الأطفال والشباب من هذه المظاهر التي تفتت الهوية وتهدم الذوق، وتزيف الحقائق، وعلی الكتاب والنخب والمفكرين الكتابة عن هذا الموضوع ، وعلی قنواتنا الفضائية إعداد البرامج التي توضح للجمهور خطر هذه الحرب الطائفية الخفية!