إصبع على الجرح..شيءمن الأيام في زمن صدام..!

منهل عبد الأمير المرشدي ||

((( 1 )))
بعدما تهاوت الآمال وتقلصت مساحة الأحلام وبين ما كان مما نريد ولا نريد وما هو كائن من كل شيء لا نريد , لابد ان نلقي مرساة الشراع في أي ركن من رمال الشاطيء وإن كان هو المرام او لم يكن حتى في الحسبان . ومن خبايا ما تحتفظ به الذاكرة المثقلة بالغرائب والعجائب والأحزان والأفراح ولحظات الرعب والخوف والنشوة والزهو والحب والهوى وكل ما وثقته حروف بين ما لم يزل محفوظا اومزقته اصابعي طوعا او خوفا أوتلفته تلافيا للإحراج مع الذات التي أيقنت ان الله حق ورحمة وفلاح .

من تلك الخبايا والذكريات التي ستكون نقطة الشروع في مذكرات لم تنشر من ذي قبل ولنبدأ من حيث ما لو كان عند غيري لأفتخر به وتفاخر واستثمره في مزاد الربح الدنيوي القصير . فقد كنت طالبا في الصف الرابع الإعدادي وقبل بدء الدوام الدراسي وخلال العطلة الصيفية كنت مشتركا في معهد لدروس التقوية في اللغة الإنكليزية بمدينة الكاظمية في بغداد تعرفت على الشاب علي جبار الذي وجدت فيه الأدب والخلق الرفيع والإلتزام فغدونا صديقين تجمعهما الثقة والمودة . كنت اسمع منه بإصغاء ما لم اسمع من ذي قبل من الثقافة المعرفية الموزونة والإرشاد الديني المعتدل وماهية الصلاة وحتمية اللجوء الى الله .

كنت معجبا بآرائه في الطرح وخشوعه في إدائه للصلاة إضافة الى ما تحتويه مكتبته في بيته الذي زرته لثلاث مرات من كتب علمية ومعرفية مع مؤلفات السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي كانت مؤلفاته لم تزل رائجة ومتوفرة في المكتبات . تبادلنا الزيارت وامسى بيننا ثقة وأخوة ومودة كبيرة وأهداني كتاب البنك اللاربوي في الإسلام للسيد الشهيد الصدر وحين قرأته ذهلت من روعة المكتوب فأعدت قرائته لاستوعب ما فيه . ازداد اعجابي بصديقي وبما يقرأ وما يفكر حتى اني ذهبت للمكتبة واشتريت ما متوفر من كتب نصحني بإقتنائها .

انتهت العطلة وابتدأ الدوام الدراسي وإستمرت علاقتنا بشكل اقوى وتواصل مستمر وفي ذات يوم كنت في زيارة لببيتهم فقال لي وبحضور الأخ قاسم داود الذي تعرفت عليه من خلاله وكان يشاطره ذات الادب والخلق الرفيع والمعرفة إن هناك امر مهم يريد اخذ رأيي به . وطلب مني ان اجيبه بصراحة من دون مجاملة وان ابدي رأيي بفكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر . استمع الى ردي الذي تضمن اعجابي وإجلالي لشخصية ابو جعفر وفكره النيّر وسعة الأفق المتسامي لمؤلفاته بل اني افتخر بعراقيته وصارحته اني اخشى عليه بما تسرب في تلك الأيام التي تزامنت مع سقوط الشاه ونجاح الثورة الإسلامية في ايران من انباء لمضايقات من قبل البعثيين ورئيس النظام (صدام) للتوجه الديني وللنجف الأشرف بوجه خاص .

بدت ملامح الإطمئنان على محيّا اصدقائي وقال لي أحسنت وتوكل على الله فسوف أمر عليكم قريبا وسيكون معي الأخ قاسم لنتوجه بزيارة الأخ ……. للتعرف عليه وتكون صديقا حقيقيا لنا في الفكر والروح . .. بعد أيام معدودة وحيث كنت في المدرسة وفي درس اللغة الإنكليزية الذي كنت احرص على حضوره لعلاقة الإحترام التي تربطني بمدرس المادة الأستاذ (………) والذي تحدث لنا عن الإقتصاد في الغرب وأوضح إن هناك بنوك تمنح القروض بدون فوائد وقال (اعتقد ان هناك كتاب ألفه محمد باقر الصدر يتناول هذا الأمر فمن يعرف إسم هذا الكتاب ) .

اجبته انا وامام جميع طلبة الصف بإن إسم الكتاب هو البنك اللاربوي في الإسلام . فقال لي بشكل مفاجئ بصوت عال احسنت وإذا لديك نسخة منه اتمنى ان استعيره منك ليومين فقط اقرأه واعيده اليك . وافقته في طلبه وجلبته له في اليوم الثاني ولكن … بعد ان اعطيته الكتاب وفي نفس تلك الليلة شاهدت رئيس النظام المقبور في حديث له في التلفزيون يتطاول على السيد الشهيد محمد باقر الصدر ويتهمه بالعمالة لإيران والتواصل مع الإمام الخميني لإسقاط النظام .. في تلك اللحظة انتابني القلق وشعرت بالرعب كما ادركت تسرعّي وخطأي حين قمت باعطاء كتاب السيد الشهيد لمدرّس اللغة الإنكليزية ..

أسرعت بالخروج مرتبكا في تلك الساعة قاصدا بيت صديقي الأخ علي وقبل وصولي لبيتهم واجهت فتى صغيرا من جيرانهم كان قريبا لهم فسألته هل رأيت علي جبار فقال لي بصوت ينتابه الخوف ( اخذوه ) سألته من اخذه فأعاد كلماته ( أخذوه الأمن ) . أزدادت دقات نبض قلبي وانتابت معالم الخوف احشائي وتوجهت مسرعا بحذر نحو بيت الأخ قاسم داود رغم بعد المسافة وقبل وصولي لهم لاحظت فراغ في الشارع يدعو للريبة وسكون مريب فعدت محتارا خائفا لا ادري ماذا افعل واين اذهب إلا ان اقدامي اوصلتني الى بيتنا من حيث ادري ولا ادري …

وللكلام بقية …

شاهد أيضاً

مع اقتراب الفجر . . استمرار عليمات البحث عن طائرة الرئيس الإيراني في ظروف جوية صعبة

أكد التلفزيون الإيراني أن عمليات البحث مستمرة بقوة في عدة جهات للوصول إلى مروحية الرئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *