د. علي المؤمن ||
بالرغم من النتائج القيصرية التي خرجتُ بها في دراساتي، ولا سيما كتابي القادم ((السومري المستعرب: مقاربة انثروبولوجية وتاريخية في تكوين الأمة العراقية)) بشأن انقراض السومريين والبابليين، ولكن هناك فرضية مهمة تتعلق بشريحة (الشروگ) في العراق، أو المكون الشروگي بتعبير آخر؛ فكثير من الأدلة والتحليلات تشير الى أنهم بقايا السومريين وأحفادهم. ومنها تسمية (الشروگ) نفسها؛ فهي تسمية سومرية أصيلة، مشتقة من اسم (شروگين)، إمبراطور الدولة الأكدية السومرية، والذي يعرف في المدونات التاريخية المعربة باسم (سرجون) الأكدي.
والتحليل التاريخي يقودنا الى أن شروگين (سرجون) قاد أفراد جيشه المنتمين الى اسمه، أي الشروگ أو الشروگيين، ليزحف باتجاه ممالك وادي الرافدين ليوحدها من الفاو وحتى شمال الموصل. وبذلك؛ يكون الشروگيون هم المؤسسون الأصليون للعراق بشكله الطولي القريب من شكله الحالي.
وتوصيف (الشروگ) أوسع من توصيف سكان منطقة محددة في جنوب العراق، كمحافظة ميسان مثلاً، بل تشمل تاريخياً سكان محافظات البصرة وميسان وذي قار والمثنى، أي جميع المناطق التي تأسست فيها الممالك السومرية وتمركز جيشها الشروگي قبل انطلاقه شمالاً، وتحديداً المناطق الممتدة من الوركاء في محافظة السماوة وحتى الفاو في أقصى جنوب محافظة البصرة، والتي تضم المدن والمناطق المحيطة بأهوار الچبايش والشيب وگرمة علي والعمارة والحمّار وأُم النعاج والعظيم والفهود والترابة والمالح والسعدية، وهي التي كانت يوماً عواصم لأُولى الممالك والدول في العالم، كأوروك وأور وكيش وأريدو ونيبور ولگش وغيرها.
ولكن بعد (4,500) سنة على تشكيل العراق الطولي على يد السومريين وجيشهم الشروگي؛ يأتي المنهج الطائفي العنصري الذي أسسه الطائفيون القوميون في العراق من عملاء الاحتلال الإنجليزي بعد العام 1916، ثم كرسوه خلال العهد الملكي، وصولاً الى نظام البعث، ليصف مؤسسي العراق بأنهم هنوداً وفرساً وغجراً، ويقصد بهم سكان جنوب العراق الشيعة الشروگ، والذين يشكلون لوحدهم نصف سكان العراق تقريباً، بهدف ازدرائهم والحط من شأنهم، لسبب طائفي بامتياز، كونهم شيعة. وأهم من أسس لهذا المنهج هو الموظف العثماني ساطع الحصري، الذي تلفع زوراً بعباءة الآيديولوجية القومية العربية بعد سقوط الدولة العثمانية، وعمل مع الدولة العراقية الجديدة، ثم ليتلقف هذه المنهجية حزب ميشيل عفلق، ويطبقها بكل تفاصيلها، وخاصة بعد العام 1968.
ثم تكتمل حلقات الكراهية والتمييز الطائفي العنصري؛ بسن القوانين التي يكون فيها العراقي الأصيل هو غير العراقي الأصيل، أي ليكون العراقي الأصيل هو العثماني، وليس الشروگي السومري والعربي، خاصة أن السومري الحالي تحمل هويته ركيزتين: شيعي وشروگي، وهاتان الركيزتان شكّلتا لعنة رافقت هذا العراقي الأصيل كظله؛ فحوّلتاه طيلة قرون، الى مواطن من الدرجة الثالثة، على اعتبار أن الشيعي العربي غير الشروگي، هو مواطن الدرجة الثانية، والفيلي الشيعي والتركماني الشيعي هما مواطن الدرجة الرابعة. وهذا ما سار عليه عرف ما يسمى بالدولة العراقية لما قبل عام 2003.
ورغم انهيار الدولة العنصرية الطائفية؛ إلّا أن اسطوانة الكراهية للشروگي والاشمئزاز منه، لا تزال تتردد بتركيز في مجالس وأحاديث الجماعات الطائفية العنصرية، حتى تلك المشاركة بقوة في العملية السياسية بعد العام 2003، على خلفية صعود كثير من (الشروگ) الى مناصب عليا في الدولة؛ رؤساء وزراء ووزراء ونواب ومدراء عامين وقادة عسكريين. ويعود مرد ذلك الاشمئزاز الى أن الطائفي العنصري يرى نفسه بأنه هو العراق، وهو الدولة العراقية، وهو السيد والقائد والمالك وصاحب الدار منذ مئات السنين؛ فكيف يسمح لنفسه أن يتحوّل (الشروگي) الذي ظل لمئات السنين مواطناً من الدرجة الثالثة، وأجيراً، وحطباً لحروبه، ومادةً لفتنه وبغضائه وسخريته؛ يتحول الى ند وجليس وشريك له في الحكومة وفي مجلس النواب وفي الوزارات والقيادات العسكرية!!.
والحال؛ أن (الشروگ) من أبناء جنوب العراق؛ يحق لهم أن يفخروا بجذورهم الضاربة في أرض العراق منذ آلاف السنين؛ فهم بناة مدنية البشرية وحضارتها، ومعمارو الأرض وصانعي مجد حضارة وادي الرافدين، ولو لاهم لما كان هناك بلد يدعى العراق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ